ديترويت | كانت هواية أديث سيتويل (1887-1964) المفضّلة هي صدم المجتمع الإنكليزي الراقي في العشرينات من القرن الماضي، من خلال مسرحتها لقصائدها ومزجها بفنونٍ أخرى، صوتها المدوّي والمروّس، وأزيائها الغريبة. سليلة العائلة الأرستقراطية التي ساعدتها ملامحها المستطيلة وطول قامتها على خلق جو من اللامألوف حولها وصفت نفسها بأنها «لستُ غريبة الأطوار، أنا فقط أكثر حياةً من معظم الناس. أنا ثعبان، ثعبان كهربائي غير شعبي في بركة من الأسماك الذهبية». ورغم بعدها الزمني والجغرافي عن نشأة فن الراب، إلا أنه يمكن اعتبارها أول شاعرة مكرّسة مارست الراب من حيث عناصره الثلاثة: «المحتوى» أو الكلام المقفّى، «الجريان» the flow أو النغم، و«الإيصال» Delivery أو نبرة الصوت.

وبهذا يمكن وصفها بأنها والدة الراب الأرستقراطية التي لم تتبناه يوماً. الباحثة عن التغيير «في الوقت الذي بدأت فيه الكتابة، كان من الضروري تغيير الاتجاه والصورة والإيقاعات في الشعر، بسبب الترهّل الإيقاعي، الموت اللفظي، والأنماط المتوقعة لبعض الشعر الذي يسبقنا مباشرة». قالت السيدة سيتويل قبل أن تباشر في ضخ روح جديدة في الشعر الإنكليزي. اعتبر النقّاد بأن أفضل أعمالها كُتبت في العشرينات مثل «الكوميديات الرعوية»، و«الجميلة النائمة» و«حديقة تروي»، والتي أخذت فيها الرمزية إلى مكان جديد. ورغم عدم الترحيب الذي لاقته في البداية، واصلت إصرارها على خلق صوتها الخاص وتميّزها ونجحت في ذلك. وبالعودة إلى الراب، لم تكن سيتويل ابنة الطبقة الكادحة. رغم اهتمامها بالعدالة الاجتماعية، فقد أتت من أسرة نبيلة ترتبط بقرابة بعيدة بالعائلة الملكية وقورنت دائماً بالملكة إليزابيت الأولى لسبب ما. لعلها هي نفسها من روّج لذلك، حين تحدّثت عن التقارب الذي يجمعها بالملكة كونهما مولودتين «في الساعة نفسها من اليوم نفسه، وقد كُنتُ أشبهها كثيراً في شبابي».

الصوت ثم الصوت
انشغلت سيتويل بالصوت في شعرها، والمقصود هنا ليس الصوت الشعري نفسه، بل النغم والإيقاع عبر قراءاتها الموسيقية على مسارح لندن من خلف الستارة أحياناً. طبعاً الجمهور ما بين الحربين العالميتين لم يكن محضّراً لذلك إلى درجة أنها اضطرت يوماً للاختباء كي تتجنّب امرأة كانت تنتظرها لتضربها بشمسيتها بعد انتهاء عرض «واجهة» عملها الأشهر الذي ارتبط بها إلى درجة أنها تُذكر دائماً به رغم أعمالها الأخرى التي لا تقل أهمية والتي جعلت منها من أهمّ الأصوات الشعرية الإنكليزية في القرن العشرين. السيدة سيتويل كانت الأخت الكُبرى لوجهين أدبيين معروفين هما أوسبرت وساتشفيريل ستويل. لم تتزوّج يوماً لكن كانت لها علاقات، منها واحدة جمعتها بالرسام الروسي بافيل تشيليتشيف الذي يُشاع بأنه كان مثليّ الجنس. علاقتها به لم تدم طويلاً، إذ انتقلت بعدها إلى باريس وعاشت هناك لسنوات قبل عودتها إلى لندن خلال الحرب وكتابتها قصائد قرّبتها مجدداً من الجمهور. منها «أغاني الشوارع» (1942)، و«أغنية البرد» (1945) التي تمّ الاحتفاء بها. لعل أشهر ما كتبت في تلك المرحلة «ما زال المطر يسقط» حول لندن بليتز أو القصف الألماني العنيف للعاصمة البريطانية. هذه القصيدة لُحنت وقّدمت مرات عديدة على المسارح في بريطانيا والولايات المتحدة لا سيما في السبعينيات وحديثاً أيضاً.
توفيت سيتويل في عام 1964 عن 77 عاماً بعد صراع مع مرض متلازمة مارفان، المرض الوراثي الذي يصيب طوال القامة النِحاف أكثر من غيرهم، وهي لم تحضر جنازة والديها الذين وصفتهما بالغرباء بسبب سوء معاملتهما لها في الطفولة إلى درجة حبسها في قالب معدني لتصحيح اعوجاج مزعوم في فقراتها.

قصيدتان

قرب البحيرة
عبر الشقة والثلج الفاهي
يقول شخصان: «متى تجولنا على هذا الشط لآخر مرة؟»
«لا، لقلب ديسمبر القاسي»
«ميتةٌ الأوراق المعلّقة على الشجر
كآذان الحمير»
متى تجوّلنا آخر مرة وبدّدنا فرحنا هنا؟
الآن، ميداس، سيسمع زوجك
هذه الهمسات-
دموع نعش الفرح،
التي، إذ تسير، تبدو كمعابد طويلة،
تتساقط الحبال من الغيوم،
وترنّ براعم الأجراس على الشجر
بنغماتٍ منتشية
نمت لأجل كفن الحب.
ما زال المطر يسقط
ما زال المطر يسقط
مُظلماً كعالم الإنسان، أسود كخسارتنا
أعمى كألف وتسعمئة وأربعين مسماراً على الصليب.
ما زال المطر يسقط
بصوتٍ كدقّات قلب
غُيرت لتصبح قرع مطارق.
على الحقل الفخّاري
وصوت القدم العاقة على القبر.

ما زال المطر يسقط
في حقل الدم حيث تتكاثر الآمال الصغيرة، والمخ البشري
تغذي جشعه الدودة في جبين قايين.
ما زال المطر يسقط
عند أقدام الرجل الميت جوعاً المعلّقة على الصليب،
أيها المسيح المصلوب كل يوم، كل ليلة ارحمنا!
في الغطاس وأليعازر: تحت المطر
الجرح والذهب واحد.
ما زال الدم يسقط من جانب الرجل الجائع الجريح
(..................)
و«ما زلت أحب وأنشر نوري البريء،
دمي، أنا»