عند السادسة والنصف من مساء اليوم، تحتفل وزارة الثقافة الفرنسية في سفارتها في بيروت، بمنح «وسام الفنون والآداب برتبة كوماندور» للمخرج والممثل المسرحي اللبناني روجيه عساف (1941) الذي شغل مسيرة ثقافية ومسرحية هامّة على مدى نصف قرن. نهض عساف الحائز جائزة «الأسد الذهبي» للمسرح في «بينالي البندقية» عن مجمل أعماله (2008) بمسيرة ممنهجة لتفعيل الحوار والنقاش المسرحي في المجتمع اللبناني، عبر طرح قضايا وطنية ومجتمعية وسياسية ضمن إطار مسرحي شعبي. هكذا، أسّس عدداً من الحركات المسرحية منذ الستينيات بدءاً بـ «محترف بيروت للمسرح» مع نضال الأشقر وبمشاركة مجموعة من روّاد الفن الرابع في أعمال المحترف، ثم كانت محطّته الثانية مع «مسرح الحكواتي»، الذي نشأ نتيجة بحث عن مسرح بديل وانطلق في أوساط شعبية مختلفة.
تمحورت هذه التجربة حول أهميّة العمل الجماعي، وتجذير العلاقة مع الناس وإحياء الذاكرة الجماعية، فتألّقت مع عرض «أيام الخيام» وامتدت ملامحها في أعماله حتى مطلع هذا القرن في عروض هزّت وجدان الجمهور اللبناني مثل «الجرس» و«مذكرات أيوب» و«جنينة الصنائع». لم تكن أعمال عساف مجرّد عروض متفرّقة وعابرة، بل حملت رؤى ومسؤوليات تمحورت حول تفعيل الثقافة في حياة المواطنين، وتنشيط الحوار بين المسرح والجمهور وأفراد المجتمع، وإطلاق صرخة في وجه الظلم والمساءلة في إطار العمل الجماعي، الذي يؤمن به عساف كأساس في العمل المسرحي. يرى عسّاف أن العمل الجماعي مفقود اليوم، مما دفعه الى الانكفاء عن إنتاج وإخراج الأعمال بسبب استحالة فكرة توحيد الناس وجمعهم وإنشاء فضاء للقائهم. باعتقاده، فإنّ هذا الوضع أسوأ من وضع زمن الحرب الأهلية، حيث كان الناس مجتمعين حول قضايا تخص كل لبنان، وليست محصورة فقط بالمنطقة التي يعملون فيها، مشيراً الى أنّ «بوابة فاطمة» (2006) كانت آخر محاولة للحفاظ على القضية المطروحة من أجل توحيد الناس، لكنهم «دمّروا مكاسب حرب 2006 ومنعوها من أن تكون مثمرة، بل إن الوضع السياسي انعكس سلباً على عقول الناس، وعلى الأسس الأخلاقية لديهم، لذا أرى أن المسرح الآن عاجز عن أداء دوره في التعبير عن أفضل مجتمع ممكن في لبنان».
لا تقتصر المشكلة اليوم على إمكان جمع الناس برأي عساف، بل تتخطّى ذلك إلى صعوبة التعاون مع مجموعات تمثل جميع الأطراف، مما حال دون إيجاد نفسه في صيغة جماعية. وقد عكس عرضه الأخير «مدينة المرايا» (2011) ذلك لكونه فردياً خاصاً لا جماعياً، على عكس آلية العمل، التي لطالما اشتغل بها. لذا يجد نفسه ككاتب فقط (أصدر أربعة أجزاء من «سيرة المسرح – أعلام وأعمال» (2009 – 2012)) لأن صيغة العمل أصبحت فردية. يرى عساف أن أهم ما قدمه هو خلق مناخ يسمح للجيل الجديد بالتفاعل على أن يجد مكاناً فكرياً وفنياً وتقنياً للتعبير عن نفسه. أما الآن، فيأسف لأنّ «الشبيبة فارطة»، باستثناء بعض الحالات، عازياً ذلك الى حاجتهم إلى المدخول والعمل والهجرة. لذا، ينظر عساف الى «دوار الشمس»، وهو عضو مؤسس فيه، على أنه «شغال» لأنّه مطلوب، لكن الفنانين الذين يعرضون فيه لا يتفاعلون مع بعضهم بعضاً، إذ «إنه مكان مفيد، لكن غير بنّاء لأن المكان وحده لا يبني رؤيا، بل الناس حوله هم الذين يبنون الرؤيا والمشروع الفكري». يرى عساف أن الساحة اللبنانية لم تعد موجودة. لذلك يعتقد أنه من الجدير التفكّر في علاقة لبنان مع البلدان العربية الأخرى على الصعيد الثقافي، من أجل إيجاد ساحة حوار إيجابية. وبناءً عليه يختم قائلاً «هناك معطيات جديدة. يجب أن ننسى مرحلة الستينيات، إذ يصعب جمع اللبنانيين. لذا يجب العمل على إقامة لقاءات فعلية بين البلدان العربية، ومدّ جسر تواصل فني وفكري يجمع العرب». أخيراً، أكّد ضرورة العمل على نماذج تنبع من احتمال مشروع مجتمع عربي جديد ينطلق من الأحداث التي تفجّرت في المنطقة التي ستخلق حتماً وضعاً جديداً.



تكريم روجيه عساف، ومنحه «وسام الفنون والآداب برتبة كوماندور»: 18:30 مساء اليوم ــ «صالة المعارض»، السفارة الفرنسية في بيروت _ للإستعلام: 03/938670