قبل ظهر أمس، أصدرت محكمة المطبوعات في بيروت برئاسة القاضي روكس رزق حكماً بالسجن شهرين بحقّ جان الياس عاصي، وتحميله الرسوم والمصاريف بسبب تغريدات أطلقها صيف 2013، وتنطوي على «قدح وذم» بحق رئيس الجمهوريّة، و«تحقير شخصه والتعرض لكرامته عبر موقع التواصل الاجتماعي». #كلّنا_جان_عاصي! ما هي الا لحظات على انتشار الخبر حتّى كان الفضاء الافتراضي يعجّ بالهاشتاغات والتغريدات والستايتوسات المتضامنة مع الشاب اللبناني. وما كان منّا إلا أن أعدنا، بلمح البصر، تغريد الهاشتاغ التضامني المذكور أعلاه، مضافةً إليه مجموعة من المواقف التي تدين قمع الحريّة، وتسخر من السلطات القائمة، بما فيها الرئاسة الأولى.
هكذا وجدنا أنفسنا، من حيث لا ندري، في قلب معركة جديدة من أجل الحريّات العامة، محورها هذه المرّة بلوغر تجرأ على نقد فخامته. لكن سرعان ما استوقفتنا تغريدة وجّهها إلينا أحد الأصدقاء المتابعين: «أستاذ معك حق... صح هيدا أفشل رئيس مرّ علينا، وناطرينو يفلّ! بس مش عيب ينحكى معو هيك؟». والتغريدة مرفقة بصورة لإحدى درر عاصي التي لا تسمح لنا اللياقات بإعادة نشرها هنا. ها نحن في الفخّ إذاً. لقد أعلنا التضامن المبدئي مع مواطن انتقد رئيس الجمهوريّة، من دون أن ندقّق في التغريدات المدانة. نادين وفاطمة عند الباب، تحملان، وقد احمرّت منهما الوجنتان، تغريدات أخرى لجان، بين تلك التي جرّم على أساسها، وتطاول شخصيات سياسيّة بارزة. هذا «مخصي» وذاك «لواطي»، وقس على ذلك! عودة فوريّة إلى التويتر لسحب التويتات المتحمّسة، وجواب مباشر إلى الصديق الافتراضي الذي انتهرني بلباقة: «بعد اطلاعي على التويتات، أشعر بالعجز عن الدفاع عن جان. أدافع عن أقصى حدود الحريّة، حتّى السخرية اللاذعة. لكن لا استطيع أن أقبل الشتم والتجريح».
النقد مقدّس مهما قسا أو تجرأ، شرط الابقاء على هذا الخيط الرفيع الذي يميّز بين الديمقراطيّة والعنف الأهلي، بين الغضب المشروع وغوغائيّة تولّد الفوضى فالديكتاتوريّة. الحريّة مسؤوليّة جماعيّة، يستحيل الحفاظ عليها من دون احترام القانون وقواعد الديمقراطية. ومع ذلك، علينا أن نتوقّف عند قسوة الحكم بالسجن الذي نادراً ما يصدر مثله عن محكمة المطبوعات. جان عاصي للأسف لا يُدافع عنه، لكننا نلتمس له الاسباب التخفيفيّة. ليس المغرّد المحكوم صحافيّاً مؤتمناً على الأصول والقواعد والأعراف بل مواطن يعبّر عن نفسه في أدغال النت 2.0، حيث الكلمة للجميع دونما تمييز في درجة الثقافة والعلم والنضج والوعي والمعرفة. وانزال العقاب القاسي بحقّ روّاده قد يتحوّل معركة عبثيّة تلامس حدود القمع والاستبداد. هل القاضي رزق يريد أن يجعل من جان عاصي «عبرة لمن اعتبر»؟ وهل تلك هي الطريقة المثلى؟ أم يستحسن اعتماد أساليب أكثر «تربويّة» مع مواطني العالم الافتراضي. يذكّر طوني مخايل محامي جمعيّة «مهارات» بإمكان اللجوء إلى «نظام غرامات مالية مخففة من دون عقوبات سجن»، مع «إلزام المدانين بتنفيذ خدمات مدنية من أجل المصلحة العامة».
لعلّه آن الأوان كي نفهم أنّ كلام التويتات غير كلام الشارع، وأن من يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي يعبّر عن نفسه في فضاء عام، الأمر الذي يترتب عليه مسؤوليّات أدبيّة وأخلاقيّة وقانونيّة. يبقى أن نحدّد الوسائل والأدوات للانتقال بالرأي العام الافتراضي إلى هذه المرحلة من النضج…

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@