الرباط | لم يكن الشاعر المغربي محسن أخريف (مواليد 1979) يعرف، وهو يقص شريط افتتاح «عيد الكتاب» في تطوان قبل أيام، أن هذا العيد سيكون آخر تظاهرة ثقافية في حياته. بدا في صور الافتتاح سعيداً، ومتحمساً للاحتفاء بالثقافة والآداب في تطوان، التي يسميها الجميع «حمامة الشمال». لعل هذه الحمامة حزنت هي الأخرى على رحيل شاب نشيط في الحياة الثقافية في المغرب، كان يعمل بهمة كبيرة في شمال البلاد من أجل أن تكون مساحة الثقافة أكثر شساعة في حياة المغاربة. فقد كان رئيساً لـ «رابطة أدباء الشمال» وكاتباً عاماً لفرع اتحاد كتاب المغرب في المدينة، وعضواً في اللجنة المنظمة لـ «عيد الكتاب»، التظاهرة الثقافية التي انطلقت في المغرب قبل 79 سنة، فضلاً عن كونه أحد أكثر شعراء الجيل الجديد حضوراً وإنتاجاً. وبالإضافة إلى الشعر، كتب أخريف القصة والرواية، واهتم بالدراسات الأدبية، لا سيما بعد حصوله على درجة الدكتوراه في النقد.وهو يسلّم الميكروفون لأحد الحاضرين الراغبين في التدخل في إحدى ندوات عيد الكتاب، لم يكن الشاعر الراحل يعرف، أن هذا العيد سيتحول إلى مأتم، وأن الميكروفون يحمل الموت إليه. إذ تعرض، بسبب تماس كهربائي، لصعقة أودت بحياته، ما اضطر الجهات المسؤولة إلى إخلاء الفضاء، ونقل جثة الشاعر إلى مستشفى «سانية الرمل»، وفتح تحقيق حول الحادث.
نشر أخريف في الشعر «ترانيم للرحيل» (2001)، و«حصانان خاسران» (2009)، و«ترويض الأحلام الجامحة» (2012)، وفي القصة «حلم غفوة» التي حظيت قبل سنتين بإحدى جوائز الشارقة للإبداع العربي. وصدرت له رواية وحيدة بعنوان «شراك الهوى» (2013). أما آخر كتاب له، فقد صدر قبل فترة عن «بيت الشعر» في المغرب بعنوان «مفترق الوجود».
مساء الأحد تحول الفايسبوك المغربي إلى فضاء أسود، حيث تم تناقل خبر رحيل الشاعر على صفحات معظم المهتمين بالشأن الثقافي في المغرب، فضلاً عن الأقارب والأصدقاء. وقد كانت تدوينات الكتّاب والأصدقاء وتعليقاتهم مؤثرة وغزيرة، كُتبت بطعم الفاجعة، خصوصاً أن الراحل كان معروفاً بهدوئه وعلاقاته الطيبة مع الجميع، فقد جمع بين موهبة الكتابة وأخلاقها.
على صفحته، كتب القاص والإعلامي محمد شويكة: «من العبث أن يقتل ميكروفون يشتغل ببضع وحدات (ڤولتات) كهربائية مبدعاً». أما الشاعرة عائشة بلحاج فقد كتبت: «يوم حزين للثقافة المغربية. هل علينا أن نفقد شاعراً في ندوة لنطرح بجدية موضوع الظروف التي تقام فيها الأنشطة الثقافية في بلادنا؟». ومن خارج المغرب كتب الشاعر المصري فتحي عبد السميع: «مات الشاعر بسبب بؤس التجهيزات» فيما كتب الشاعر التونسي صلاح بن عياد: «الميكروفون الذي نلتجئ إليه لإيصال أصواتنا. نسلّمه شفاهنا على أمل أن نصل إلى كل الآذان، كما نحن، بكل رعشتنا وما تصنع القصيدة فينا. كنّا نخال الشّعر كهرباء حنونة تدغدغ فسحة خيال في المستمع. لكن تنكّر الميكرو هذا المساء، كان مفخّخاً وأودى بحياة شاعر وروائي مغربي يكفي أن تلتقيه مرّة واحدة حتّى يرسخ فيك». وقد نقل الكاتب والمترجم الزميل رشيد وحتي على صفحته، شذرة من شعر الراحل إلى الفرنسية: «حُلم الياسمين/ هو أن يصير سقيفةَ بيت». أما الشاعر كمال أخلاقي ففضل أن ينشر المقطع الشعري التالي من ديوانه «ترويض الأحلام الجامحة: «فقِيرٌ بِلا قَطِيعٍ/ أمْضَيْتُ عُمْرِي أَهُشُّ بِعَصايَ/ عَلَى غَيْمِ الشِّعْرِ/ أُجَمِّعُهُ، ثُمَّ أَنْثُرُهُ/ أَلِهَذا يا صاَحِبِي تَرَى/ أَنِّي أَسْتَحِقُّ حَياَةً أُخْرَى؟».