بغداد | بورتريه للمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، نشرته صحيفة «الصباح الجديد» ضمن ملحق لها عن الثورة الإسلامية عام 1979، تحوّل إلى قضية رأي عام. قبل أيام، تعرّضت الصحيفة للتهديد والتحريض، إلى أن استُهدفت الاثنين الماضي بثلاث عبوات ناسفة، خلّفت أضراراً في المبنى في وسط بغداد، وهدّمت واجهته، من دون إصابات في هيئة تحرير الصحيفة اليومية السياسية. في تصريح لـ«الأخبار»، أوضحت هيئة التحرير أنّها اعتادت نشر بورتريه لأبرز الشخصيات التي يتناولها ملحق «زاد» الفكري الأسبوعي الذي يصدر صباح كل خميس. وبما أنّ شخصيّة عدد الأسبوع الماضي الخاص بالثورة الإيرانية، كانت المرشد علي خامنئي، فإن الرسم «لم يكن كاريكاتوراً للسخرية من شخصه، بقدر ما كان سياقاً اعتيادياً، جرى فيه تناول الشخصيات المؤثرة ضمن ملفات قدّمتها الصحيفة».
من بين الشخصيات التي رسمتها مثلاً: رئيس جمهورية العراق جلال طالباني، رئيس الوزراء نوري المالكي، رئيس البرلمان أسامة النجيفي... ومن رجال الدين: محمد بحر العلوم، حسين إسماعيل الصدر، عبد العزيز الحكيم ونجله عمار الحكيم، وأحمد القبانجي. ومن الشخصيات السياسيّة في المنطقة والعالم: رجب طيب أردوغان، محمد مرسي، أحمدي نجاد، محمد خاتمي، حسن روحاني وباراك أوباما.
لكن ما حصل منذ صباح الجمعة 7 شباط (فبراير) بحسب هيئة التحرير، هو «ورود سلسلة تهديدات من أشخاص وجماعات، بعضهم لمّحوا بوضوح إلى رد فعل عنيف بحقّ الصحيفة وكادرها، في حين أنّ بورتريه الرسّام أحمد الربيعي لم يكن بقصد الإساءة». سريعاً، أصدر رئيس تحرير الصحيفة إسماعيل زاير بياناً توضيحياً ذكر فيه «نشرنا في نهاية الأسبوع الماضي على صفحات ملحقنا «زاد» الصادر في 6 شباط الحالي، ملفاً من ثماني صفحات عن الذكرى الـ 35 للثورة الإيرانية. وكما اعتدنا في كل الملاحق، جرى انتقاء أهم شخصية في هذا الحدث الكبير، لتكون شخصية العدد. واعتاد كادرنا أن يستلهم من تلك الشخصية ملامح القوة والذكاء والروح الإنسانية، ليضعها في رسم فني مميز، وهو ليس بالكاريكاتور كما يظن البعض». البيان الذي اختُتم بتوجيه اعتذار عن «أيّ لبس غير مقصود»، لم ينفع في إيقاف سيل التهديدات، الذي كان يصل إلى الصحيفة أو ينشر في بعض المواقع الإلكترونية، حتى إنّ هيئة التحرير استغربت من «تحريض صحيفة عراقية هي «المراقب العراقي» ومعها قناة «الاتجاه» الفضائية ومحاولتهما تأليب الرأي العام ضد العاملين في «الصباح الجديد»، بحجة الإساءة إلى شخص المرجع الخامنئي. المحزن والمضحك حقّاً كان اتهام الصحيفة بجرّة قلم بأنّها «تتبع الموساد الإسرائيلي».
وحالما أعلنت «المراقب العراقيّ» ومعها بعض المواقع الإلكترونية خروج تظاهرة صباح يوم الاثنين الماضي في ساحة الفردوس «تندد بالتجاوز على مقام الخامنئي»، بدأ مجهولون بزرع عبوات ناسفة في باب مقر الصحيفة في حي الوزيرية في بغداد. وكلما كانت الأجهزة الأمنية تنجح في الكشف عن العبوة وتفكيكها، تُنصب الثانية، ليستمر هذا المشهد منذ الساعة الثالثة فجراً حتى العاشرة من صباح الاثنين، وتكون حصيلته تفجير ثلاث عبوات، واحدة منها صوتية.
الأمر الذي أثار الاستغراب أكثر لدى العاملين في الصحيفة، هو هذا التصعيد غير المبرر الذي ربما له علاقة باقتراب موعد الانتخابات النيابية، ومحاولة أكثر من جهة سياسية عراقية، المتاجرة بموضوع لم يكن يستحق كل هذا التأجيج والعنف ضمن لعبة ليّ الأذرع بين هذه الأطراف، ومساعي كلّ جهة بأن تثبت لجمهورها أنها الأقرب إلى طهران، وهي من يمثل مصالحها في بغداد، بوصف الجارة إيران ذات رأي في تشكيلة الحكومة المقبلة، واختيار شخص رئيس الوزراء وطاقمه الحكومي. بعد اجتماع لها في بغداد، أبلغتنا هيئة التحرير أنّها «ستتوقّف عن الإصدار إلى إشعار آخر، لحين توافر أجواء آمنة لمنتسبيها في بغداد»، وخصوصاً أنّ كادر الصحيفة المتوقفة منذ أربعة أيّام، غادر العراق فعلاً أو ذهب إلى كردستان خوفاً أو اعتكف في منزله، إلى أن تتوافر ضمانات بعدم التعرض له، وتهدئة الأجواء، وبالأخص التحريض الحاصل على صفحات التواصل من متطرّفين مجهولي الهويّة.
من جهته، دان «مرصد الحريّات الصحافية» ما تعرضت له «الصباح الجديد»، ودعا في بيان له «الحكومة العراقية إلى ملاحقة المسلحين الذين فجروا العبوات الناسفة أمام مقر الصحيفة، وإلى توفير الحماية اللازمة للصحيفة والعاملين فيها»، كما طالب بعض السياسيين بالتوقف عن التحريض؛ لأنه يعرض حياة الصحافيين للخطر.
وإذا كانت «نقابة الصحافيين العراقيين» الأم، قد قابلت الأزمة بالصمت، فإنّ «النقابة الوطنية للصحافيين العراقيين» ذكرت في بيان أصدرته مساء الاثنين الماضي أنّ «النقابة الوطنية تعبّر عن استنكارها للاعتداء على «الصباح الجديد» وما سبقه ورافقه من حملة تأليب عليها». وأعربت عن قلقها لهذا «المنحى الخطير المناقض للحقوق الدستورية الذي يتواصل بصمت من السلطات، وبرعاية منها في بعض الأحيان». وناشدت كل أنصار الحرية وحق التعبير عن الرأي في البلاد «العمل الموحد لمنع التعديات الجارية والمتزايدة على المؤسسات الإعلامية والعاملين فيها، وتحشيد الجهود لحماية عمل وحرية الصحافة».