لا بّد للكاتب والصحافي والروائي المصري أشرف عبد الشافي (المنيا ــ 1969) أن يخضّ المشهد الإعلامي في مصر، ليُرينا ــ بحسب مشاهداته وقناعاته ــ الانحراف الأخلاقي في الدرجة الأولى، المتسلسل بتسلسل الحقب والأشخاص والسلطات في عملية التفاف سريعة على كل ما هو مبدئي وثابت في قناعاته وخطه. الشافي الحاصل على إجازة في اللغة العربية وآدابها الإسلامية من «جامعة القاهرة» كان قد أصدر مجموعة قصصية قصيرة بعنوان «منظر جانبي»، ورواية عن «دار ميريت» تحت عنوان «ودّع هواك» التي يعتبرها التمهيد الأولي لكتابه اللاحق «البغاء الصحفي» ثم «فودكا ــ البغاء الصحفي الجزء الثاني» («دار مقام»/ القاهرة) الصادر حديثاً مكملاً فيه فكرته ومشاهداته. فبطل روايته في «ودّع هواك» نموذج الشاب الذي يصاب بالاحباط ويضطر لبيع الملابس المستعملة في «وكالة البلح». أيضاً، عمل عبد الشافي في إحدى الصحف الحزبية: «ولم أكن أتصوّر أن يتحوّل كل ما شاهده البطل في روايتي من فساد صحافي الى واقع أعيشه بنفسي وأكون شاهداً عليه».
طبخة التوريث كان يتم اعدادها في الصحف الخاصة أو المستقلة

في كتابه «فودكا»، يقع القارئ على التزعزع في البنية الثقافية والإعلامية والفكرية عند بعض الشخصيات ذات الحضور الإعلامي. بأسلوبه المقترب تماماً من فن الروي والقصّ، يصف عبد الشافي التحوّل الذي أجادته تلك الشخصيات في غاياتها المتغيرة بحسب الحاجة التي تتوخاها من تعاقب السلطات. من رفضه الاندماج في العالم المتاح سلفاً، العالم السهل للأشخاص الذين يبرعون في نقل البندقية من كتف الى كتف بحسب جردة سريعة لعملية الربح والخسارة، لم يشأ عبد الشافي أن يبقى رهينة مقولة شاهد الزور، بل طالب في كتابه «البغاء الصحفي» كجزء أول، ثم كتابه «فودكا» كجزء ثان، باستقلاله الخاص وبرغبته في الكشف الى درجة المراهنة على إنهاء حياته العملية الصحافية نتيجة هذين الكتابين، انتصاراً لمعتقده ولرؤيته التي يراها واضحة وصادقة لما يراه ويعاينه عن كثب.
في «فودكا»، لم يضح عبد الشافي بالصفاء من أجل التعقيد، بل كتب ما ارتأى أنه يجب أن يُكتب بالصدق والنقاء اللازمين، واصفاً تسلسلاً في تبدلات بعض الشخصيات الإعلامية في كتابه ومواقفها التي تتغيّر بحسب الظرف والمصلحة الخاصة. بقيت لغة عبد الشافي خارج هذا الاضطراب وهذا الجهد النفاقي، محققاً عبر لغته السلسة والروائية، قراءة بعيدة عن مرارة المشهد المنقول، وقريبة أكثر من حالة عامة تسود العالم باهتماماته كافة، سواء في مصر أو في الأقطار العربية كافة، وفي الغرب خصوصاً الذي لا يعوّل كثيراً على براءة «الدواخل» قدر ما يعوّل على الربح المادي تحديداً. ما غرضك من الكتاب؟ الفضح؟ التشهير؟ يجيبنا: «الكتاب ليس تشهيراً أو فضحاً. الكتاب شاهد على طبقة متوسطة تزحف نحو وسط المجتمع وتصعد درجة، فتنسى، تصعد ثانية فتتعلّم التضليل، وتصعد ثالثة وعاشرة حتى تذوب تماماً في عالم الكبار، وتتبوّل على آرائها ومبادئها وما عاشت من سنوات تبيعه للقارئ. عادة، تبدأ الموضة من أعلى وتهبط الى أسفل حيث يحلم الضعفاء والمهزومون والمرتعشون بقناع أو حماية تدخل بهم الى صالة الكبار، حيث يسرقون الموضة ويزاحمون أصحابها في عقر دارهم. الكتاب وثيقة اجتماعية قدمتها كروائي وليس كصحافي فقد انقطع كل ما بيني وبين تلك المهنة». هل عانيت الكثير بهذا المعنى لتخلص الى الانقطاع التام؟ يجيب: «عانيت الكثير، إلى درجة أنهم أغلقوا برنامجاً تلفزيونياً بسبب ظهوري فيه متحدثاً عن «بغاء» بعض الصحافيين الذين كتبوا قصائد مديح في الحكام ومن ثم تحولوا الى ثوار فجأة. كانت فكرة الكتاب تتلخص في أن التدليس والنفاق للنظام ورجاله لم تكن تتّم في صحف الدولة القومية، لكن طبخة التوريث الكبرى كان يتم اعدادها في الصحف الخاصة أو المستقلة كما يطلقون عليها. كنت أطرح الأفكار للنقاش وليس للتشهير أو الدخول في معارك وصلت حد تسريح فريق برنامج كامل من العمل لمجرد استضافتي».