صدر العدد 22 من مجلة «بدايات» الفصلية قبل الإطاحة بالرئيسين الجزائري والسوداني في حراكين شعبيّين يمثّلان «موجة ارتداديّة لزلزال عام 2011» على حدّ قول فواز طرابلسي في افتتاحية العدد التي يحاول فيها رسم ملامح هذه الاحتجاجات التي يربطها طرابلسي مع إحراق اللبناني جورج زريق نفسه أمام مدرسة أولاده، و«انتفاضة الريف المغربي» والحراك الاجتماعيّ الأردنيّ والحراك العراقي التي انطلقت كلها عامي 2016 و2017. وتلي الافتتاحية مقالتان مكرّستان للحراكين الجزائري والسوداني تعبّر الباحثة الجزائريّة ملك رحّال في الأولى عن تفاؤل حذر بشأن الجزائر حيث يجابه المتظاهرون «مستقبلاً مباشراً يرفضونه، وهم يحاولون فتح الحاضر من أجل تغيير وتيرة الزمن، دون أن يغرقوا في استعجال رومنطيقيّ»، يجد صداه أيضاً في مقالة الصحافي السوداني الشيوعي طارق علي حامد الذي يؤكد أنّ الانتفاضة ستضع حدّاً لتجربة الإسلام السياسي التي أثبتت فشلها طوال 30 عاماً في الحُكم.

كرّس العدد ملفّه لروزا لوكسمبورغ تحت عنوان «روزا الحمراء التي قادت ثورة» نقرأ فيه مقالين لوسام سعادة يركّز في الأول على تميُّز لوكسمبورغ ضمن تراث الاشتراكيّة الديمقراطية في سجالها على جبهتين: ضد «تنقيحيّة» إدوارد برنشتاين من جهة، وضد مفهوم الحزب ودوره عند لينين من جهة أخرى، وصولاً إلى المؤتمر السابع للأمميّة الثانية في آب (أغسطس) 1907، حين أسهمت مع لينين ويوليوس مارتوف في إقرار تعديل على اقتراح أوغوست بيبيل بغية التّشديد على أن واجب الاشتراكيّة الديمقراطيّة هو النضال من أجل إيقاف الحرب حين اندلاعها واستغلال الأزمة بهدف تحريض الطبقة العاملة على الإطاحة بالسيطرة الرأسماليّة. يركّز المقال الثاني بنبرة نقديّة أكبر على الجانب الاقتصادي من فكر لوكسمبورغ في مسألتي «التراكم» و«إعادة الإنتاج». ويضم الملف أيضاً مقالاً لميكائيل بْرِي يتناول فيه حياة لوكسمبورغ من خلال رسائلها، تليه ترجمة لعدد من هذه الرسائل. يختتم الملف مواده بمقال ألكسندرا المصري في مراجعة مهمة لكتاب المفكّرة الأميركيّة رايا دونايفسكايا «روزا لوكسمبورغ: تحرر المرأة وفلسفة الثورة لدى ماركس» (1982).
ضمن قسم «ن والقلم»، نقرأ الشّهادة التي قدّمها الياس خوري في مؤتمر «عن الأدب والسياسة: الياس خوري روائياً ومثقفاً وصحافياً» الذي انعقد في دائرة اللغة العربيّة ولغات الشرق الأدنى في الجامعة الأميركيّة في بيروت في نيسان (أبريل) 2018. ويليها مقالان عن فارس الشّدياق لطريف الخالدي وهالة البزري: يتناول الخالدي «السنوات البريطانيّة» في حياة الشدياق بين عامي 1848 و1856، بعد رحيله عن مالطا، كي يعمل مع صمويل لي على ترجمة الكتاب المقدّس إلى العربيّة. ويصف الشدياق فترته البريطانيّة تلك في عملين: روايته «الساق على الساق» (1855)، وبتفصيل أكبر في كتابه «كشف المخبّا عن فنون أوربا». في المقابل، يتمحور اهتمام البزري على خطوة الشدياق الجريئة في تطبيق أساليب التسطير «الإفرنجيّة» في طباعة الكتب العربيّة من ناحية تصميم الصفحة ووضع علامات الوقف من فاصلة ونقطتين وأقواس وعلامات استفهام. وتكمن أهميّة المقالين في تسليط ضوء جديد على رائد نهضويّ منسيّ كبير بحجم الشدياق. ويليهما استعادة لقصة/ تحقيق نشرها نجيب محفوظ خلال زيارته لليمن عام 1962، وهي القصة المحفوظية الوحيدة التي تجري أحداثها خارج مصر من بين أعماله كلها.
ونجد ضمن قسم «يا عين» المخصّص للفنون التشكيليّة وقفةً مع أعمال الفنان الراحل أمين الباشا. ويستكمل قسم «فيها نظر» دراسة جلبير الأشقر «ماركس والشرق الأوسط» التي نُشر قسمها الأول في العدد 21، تليها مقالة لثائر ديب يتناول فيها ماركس من الجانب الأدبيّ، سواء كانت محاولاته الأدبيّة الخاصة أو حضور أعمال أدباء آخرين في أعماله، علاوةً على إمكانيّة قراءة أقسام من عمله الأبرز «رأس المال» بوصفه أدباً هجائياً. أما في قسم «ذاكرة»، فنواصل قراءة مذكّرات المناضل اليساريّ اليمنيّ الراحل جار الله عمر، يليها نص للكاتب المصريّ رؤوف مسعد عن السجن وعوالمه في العنف والحب والجنس. ويُختتم العدد بمقال أكرم الريّس عن «شاعر الشّعب» عمر الزعني، يستعرض حياته ومختارات من زجله؛ وبحوار مع الفنّانة التونسيّة أمال الحمروني. ولا ينبغي أن ننسى الحضور البصري الدائم في المجلة، من ناحية التّصميم الفريد ووجود الصورة واللوحة كعنصرين جوهريّين يُتمّمان الكلمة، بحيث تشكّل المجلة أرشيفاً ثقافياً شاملاً لا يتخفّف في المضمون ولا يتجاهل الشّكل.