أحياناً، يحمل ممثل عملاً كاملاً على كتفيه. هذا هو الحال اليوم مع مسلسل «الكاتب» (إنتاج «إيغل فيلمز ــ lbci، وldc، و«أبو ظبي»، و«art حكايات 2»، و«نتفليكس») الذي يشارك في السباق الدرامي الرمضاني. بداية، جذبتنا (ولا تزال) صورة المخرج رامي حنّا الذي يتسلّح بتكنيك عصري في تنفيذ المشاهد وتقديم كادرات احترافية في العمل الذي يدور في فلك التشويق والجريمة. ولا نبالغ إذا قلنا إنّ حنّا يغرّد خارج سرب زملائه العرب، محاولاً التجديد باستمرار والاشتغال بعناية على أسلوبه في محاكاة لمسلسلات أجنبية نتابعها عبر منصات الـ«ستيريمينغ».قائمة الملاحظات التي تسجّل على أداء الممثلين لا تنتهي، خصوصاً دانييلا رحمة (المحامية مجدولين) التي لا تزال إطلالتها غير مقنعة وهزيلة في ظل شبه غياب للتناغم بينها وبين باسل. وهذا مستغرب في حضرة مخرج من طراز رامي حنّا متمكّن من إدارة الممثلين، ونجح العام الماضي في إبراز قدرات تمثيلية مبشّرة لدى رحمة في مسلسل «تانغو» (سيناريو وحوار إياد أبو الشامات ـــ عن قصة أرجنتينية).
يُفترض أن تكون حلقات «الكاتب» مليئة بالغموض والإثارة، لكن رغم انتفاء هذا الشرط حتى اللحظة وفي ظل التطويل الممل الذي يطغى على العمل، والثغرات الواضحة في الحبكة الدرامية لنص ريم حنّا، يبرز الممثل السوري باسل خياط بأداء مثير للإعجاب.
رسم باسل دور كاتب الروايات البوليسية «يونس جبران» في رأسه وترجمه على الواقع بإتقان، ليتقمّص بالتالي دور النجم الأناني والمغرور الراغب في الحفاظ على خصوصيته ولا يثق بمن حوله. لغاية عرض الحلقة الخامسة عشرة أوّل من أمس الإثنين، نجا خيّاط من فخّ المبالغة والافتعال، وتماهى مع «يونس» المشتبه فيه الأوّل في مقتل عشيقته القاصر «تمارا» (ريم خوري). حاك خيّاط الصفات الداخلية والخارجية للدور بتأنٍّ (المشية، نظرات العينين، حركة عضلات الوجه، طريقة الكلام، نبرة الصوت، الشاربين، الأناقة، الضحكة، التلعثم وسرعة الكلام لدى التوتّر...) مقدّماً مقترحاً جديداً على صعيد الأداء بدا غريباً بالنسبة إلى بعض الذين التبس عليهم الموضوع. هل «جبران» صادق أم كاذب؟ هل هو واثق بنفسه أم قلق ومرتاب؟ هل هو جاد أم ساخر؟ والحقيقة أنّه كل هذه الصفات مجتمعة. حرص نجم مسلسل «عشق النساء» (إخراج فيليب أسمر) على بثّ هذه الحيرة في نفوس المشاهدين، خدمة لطبيعة الدور الذي يلعبه وللقصة البعيدة عن التماسك للأسف.
مشاهد قليلة لـ«يونس جبران» كفيلة بإعادتنا في الزمن 17 عاماً إلى الوراء. استوحى باسل خيّاط الخطوط العامة لهذه الشخصية من أحد أشهر وأجمل أدوار النجم البريطاني الحاصل على أوسكار دانيال داي لويس (62 عاماً ـــ أعلن في 2017 اعتزال التمثيل تزامناً مع عرض فيلم Phantom Thread). نعود بالذاكرة إلى شخصية المجرم «وليام» أو «بيل الجزّار» في شريط «عصابات نيويورك» (إخراج مارتن سكورسيزي ــ 2002) التي حصل عنها دانيال على جائزة «بافتا» عن فئة «أفضل ممثل في دور رئيسي». تدور أحداث العمل في نيويورك في عام 1861 خلال الحرب الأهلية الأميركية، وترصد قصة الشاب الإيرلندي «أمستردام فالون» (ليوناردو دي كابريو) يسعى للثأر من «بيل الجزّار» الذي قتل أباه في حرب دارت بين السكان الأصليين والإيرلنديين في المدينة الأميركية نفسها في 1846.
يحيلنا الأداء إلى دانيال داي لويس في «عصابات نيويورك»


تطوير المهارات التمثيلية والاستعانة بكاراكتيرات أيقونية في السينما العالمية ليست مسألة جديدة بالنسبة إلى باسل خياط. هذا ما فعله عام 2017 حين لعب شخصية «توفيق المصري» (أو سامح) في المسلسل المصري «30 يوم» (كتابة مصطفى جمال هاشم تحت إشراف أحمد شوقي، وإخراج حسام علي، وإنتاج «سيلميديا» و«تريلر» و«ماكس برودكشن»). يومها، شبّه البعض أداءه بشخصية الـ«جوكر»، وتحديداً تلك التي قدّمها الراحل هيث ليدجر في فيلم The Dark Knight. آخرون اعتبروا أنّه أقرب إلى شخصية «جيمس موريارتي» (آندرو سكوت) في مسلسل الجريمة البريطاني «شيرلوك» (بي. بي. سي) الذي يؤدي بطولته بيندكت كامبرباتش.
على أي حال، السير على هذا النهج أمر يُحسب لخيّاط لكونه يطوّع تلك الأدوار المعروفة ويضيف إليها لمصلحة الشخصيات التي يقدّمها، من دون أن يكتفي بالتقليد المجاني. وهذا دليل احتراف وإن كان أحياناً ضمن أعمال دون المستوى المتوقع. أتذكرون «الدكتور أسامة» في مسلسل «الرحلة» (تأليف عمرو الدالي وأحمد وائل عن قصّة من كتابة السورية نور شيشكلي، وإخراج حسام علي) في رمضان 2018؟

* «الكاتب»: يومياً على lbci وldc (س: 22:30)، و«نتفليكس» (19:00)، و«أبو ظبي» (23:00)، و«art حكايات 2» (21:00)