لم يعد «مهرجان كان» قبلة السينمائيين الإيرانيين. المهرجان الذي كان أساسياً في الشهرة العالمية للسينما الإيرانية وتكريسها كإحدى أهم السينمات، افتقد في دورته الثانية والسبعين الحضور الإيراني، إذ سجّل أقل عدد من صناع الأفلام الإيرانيين في هذا الحدث خلال العقود الثلاثة الماضية. السوق أيضاً لم تشهد مشاركة إيرانية فاعلة على غرار السنوات الماضية، والأمر يبدو بسبب الارتفاع الهائل في قيمة اليورو، ويمكن اعتبار الحدّ من القدرة المالية للسينمائيين الإيرانيين لحضور هذا الحدث إحدى السمات المميزة لتأثير انخفاض قيمة العملة على الأنشطة الثقافية الدولية لإيران.بالنسبة إلى المنتجين السينمائيين الإيرانيين، فإنّ الأمر يتعدى البعد الاقتصادي. هناك العديد من شركات الإنتاج السينمائي الإيراني تتمركز في أوروبا وبعضها أسّس فروعاً له في فرنسا وألمانيا على سبيل المثال، وكان بمقدورها المشاركة بزخم كبير على غرار دورات الأعوام الخمسة الماضية.
في ظلّ الوضع الحالي وبالنظر إلى الزيادة الهائلة في قيمة اليورو مقابل الريال، لا حافز لصنّاع الأفلام الذين لا تشارك أفلامهم في المهرجان للحضور إلى الكروازيت. من ناحية أخرى، ليس لدى شركات الإنتاج والتوزيع الإيرانية أمل كبير في بيع أفلامها، نظراً إلى عدم الالتزام بقانون حقوق النشر الدولي في إيران وعدم وجود حاجة لشراء الأفلام الأجنبية.
صحيح أن حضور السينما الإيرانية خلال العقود الثلاثة الماضية، كان ملفتاً للأنظار سواء في التنافس على جوائز الأقسام الرئيسية والثانوية للمهرجان، أو في لجان التحكيم وفي مستوى أساس آخر في سوق الأفلام، لكن صحيح أيضاً أن الأمر قد تغيّر كثيراً مع دورة هذا العام، ما دفع بعض المنتجين الإيرانيين المتضررين للاعتقاد بوجود تغييب مقصود لسينما بلادهم بسبب التوتر السياسي بين طهران من جهة والحلفاء الأوروبيين لواشنطن من جهة أخرى. وثمة من يبرر هذا الغياب بحكم انفتاح المهرجان العريق على سينمات صاعدة صار بمقدورها التنافس بقوة مع السينما الإيرانية. محمد حقيقت المخرج والناقد السينمائي المقيم في باريس منذ حوالى أربعة عقود، قال لـ «الأخبار»: «لقد وصل إلى إدارة «مهرجان كان» 50 فيلماً روائياً طويلاً من إيران ولم يتم اختيار أي منها. السينما الإيرانية تكرر نفسها في السنوات الأخيرة وعليها أن تجد مخرجاً لمأزق النمطية. هذا هو سبب الغياب، يضاف إلى ذلك بروز مواهب سينمائية تنتمي إلى خرائط كانت على هامش الفن السابع واستطاعت أن تتفوق على السينما الإيرانية في السنوات الأخيرة».
ليس السينمائيون الإيرانيون وحدهم. الصحافيون أيضاً غابوا عن الكروازيت. في هذا الإطار، كتب المحرر الفني في موقع «تابناك»: «في الفترة التي لم تشهد فيها البلاد تغيّراً كبيراً في قيمة العملات الأجنبية، لم يكن صناع الأفلام والمخرجون السينمائيون حاضرين بقوة في «كان» بل كان للصحافيين الإيرانيين أيضاً حضور قوي من أجل تقييم آخر لتفاصيل عالم السينما وجودة الإنتاج. لكن كلفة هذا التقييم قد أصبحت باهظة إلى حد كبير، وقد عرقلت هذا التقييم. في الواقع، نحن إزاء أحد الآثار الواضحة لتأثير انخفاض قيمة العملة الوطنية على الأنشطة الدولية للسينما الإيرانية. وهو أمر يتوقع أن يصل إلى بعد أوسع ولا يقتصر على جودة وكمية حضور المهرجانات الدولية والفعاليات السينمائية».