القاهرة | الموسم الدرامي في مصر هذا العام كان في رأي كثيرين، واحداً من أسوأها خلال العقد الماضي، ليس فقط على أهل الصناعة الذين اضطروا لتقليل عدد الأعمال المنتجة وخفض أجورهم. ولعلّ تقليل عدد الأعمال المعروضة خلال رمضان أمر طيب، لأنّه من الجنون أن يعرض أكثر من مئة مسلسل خلال شهر واحد، بينما تبقى الشاشات بقية العام خاوية تقريباً من أعمال جديدة، كما كنا نرى منذ سنوات خلت. موسم هذا العام، كان سيئاً لأسباب أخرى من بينها ضحالة معظم الأعمال المعروضة واقتصارها تقريباً على نوعين، هما أكشن وكوميدي. حتى داخل هذه الأعمال، كانت الأفكار والموضوعات مكرّرة ومستنسخة. هناك مسلسلات منقولة حرفياً من أعمال أجنبية مثل «زي الشمس» (تأليف ورشة كتاب بإشراف مريم نعوم، وإخراج سامح عبد العزيز)، و«ولد الغلابة» (تأليف أيمن سلامة، إخراج محمد سامي)، أو من أعمال مصرية أخرى، وهذه أكثر من حصرها. وهناك أعمال «تركيب» من أعمال عدة مثل «قابيل» (كتابة كريم يوسف، أشرف نصر، مصطفى صقر ومحمد عزالدين ـ إخراج كريم الشناوي) المأخوذ عن قصة لأغاثا كريستي على «أجواء» فيلم Seven وبضعة أفلام أميركية أخرى.وبغض النظر عن النقل الذي بات سمة مزمنة للفن العربي، فإن معظم هذه المسلسلات معالجة بسطحية إنسانية، وافتعال فكري، ومبالغة في «التكنيك»، و«تشوّش» على مستوى التصوير والتمثيل وبقية العناصر الفنية. لنتوقف مثلاً عند عنصر «الصوت»: أي قراءة للأصوات في مسلسلات هذا العام يمكن أن تبرهن على أنه الموسم الأكثر «إزعاجاً»، من لغة الحوار المستهلك التي يحاولون تعويض فقرها بصراخ الممثلين وأصوات الرصاص والانفجارات والمعارك البدنية والاستخدام المفرط لموسيقى تصويرية فجة وزاعقة، وحتى «مقدمات» معظم المسلسلات التي تكاد تخلو من لحن مميّز أو صوت مطرب جميل واحد.
وقد توقفنا مندهشين أمام ملحوظة عجيبة: باستثناء مسلسل «قابيل»، ليس هناك مساحة تقريباً للتمثيل الصامت. الممثلون يتحدثون طوال الوقت، ولا يفكرون قبل أن يتكلموا وكل ردود أفعالهم كلام، وهو شيء غريب في أعمال تتسم بطول مدة العرض، بل تعتبر تراجعاً كبيراً في عنصر التمثيل التلفزيوني الذي تطور كثيراً خلال الأعوام السابقة. وإذا تمعنّا في ملامح كثير من أبطال المسلسلات المعروضة، لوجدنا أنّ وجوههم عابسة، عصبية، متشنجة، تسري فيها معاناة مكتومة، حتى وهم يضحكون، وجدية مصطنعة، كما لو أن التمثيل الجيد بالنسبة إليهم واجب ثقيل، وليس لعبة ممتعة بين المبدع والمشاهد.
معظم الأعمال معالَجة بسطحية إنسانية، وافتعال فكري، ومبالغة في «التكنيك»


أمر استدعى إلى ذاكرتنا بشكل عشوائي ملامح عادل إمام، ومحمود عبد العزيز، ويحيى الفخراني، وأحمد زكي، ونور الشريف، ومحمود حميدة، ومن النساء نبيلة عبيد، ويسرا، وميرفت أمين، ونجلاء فتحي وهنا وهلا شيحة وحتى إلهام شاهين وآثار الحكيم... لقد كانت هذه وجوه مريحة، مرتاحة، مستمتعة بحضورها، مهما كانت جدية الشخصية التي يؤدونها وأهمية الموضوع الذي يتناولونه. وقارنا بين هذه الوجوه ووجوه بعض أبطال دراما هذا العام، حتى أصحاب الحضور الشعبي مثل محمد رمضان، وأحمد السقا، ومصطفى شعبان وعمرو سعد، أو أصحاب الحضور الكوميدي مثل محمد عادل إمام، وحسن الرداد، وحمادة هلال، ناهيك عن هاني سلامة وأمير كرارة ومحمد رجب بوجوههم الخشبية المعتادة. وفي ما يتعلق بالنساء، فالملحوظة قائمة وتطال معظمهن، من صاحبات الحضور الدرامي مثل دينا الشربيني وغادة عبد الرازق، أو الحضور الكوميدي مثل ياسمين عبد العزيز ومي عز الدين، أو الحضور الفاتر مثل ياسمين صبري ومي عمر. كلهم، رجالاً ونساء، يمثلون كأنهم يؤدون نوعاً من العقاب المفروض عليهم، أو كأنهم يخشون العقاب من شيء ما، وتقريباً، كلهم، حتى أبطال العضلات منهم، مثل رمضان والسقا وسلامة، لا تكاد تمر حلقة واحدة من دون أن يذرفوا الدموع، ومن دون أن يؤدوا مشهداً «مسرحياً»، ينفرون فيه عضلات أجسادهم وعروق وجوههم، كما لو كانوا يستجدون تعاطف الجمهور، أو رضى المنتجين. تذكرنا أيضاً نيللي كريم، الغائبة هذا العام، التي تتسم عادة بهذا الحضور العابس، الذي يتعامل مع التمثيل كأنه مسابقة في رفع الأثقال، وقلنا إنّ كثيراً من الممثلين والممثلات هذا العام تحولوا إلى نيللي كريم!
المسألة ليس لها علاقة بالموضوع الذي يدور عنه المسلسل، مع أنّ الموضوعات كئيبة فعلاً، لكن حتى مسلسل مثل «الزوجة 18» (تأليف محمد أبو السعد، وخالد أبو بكر، ووليد أبو المجد، وأشرف على الكتابة السيناريست أمين جمال ــــ إخراج مصطفى فكري) الذي طرح موضوعه (الرجل المزواج) في عدد من الأفلام والمسلسلات التي أدى بطولتها نجوم أمثال رشدي أباظة، نور الشريف ومصطفى شعبان، واتسمت بخفة الدم وحظيت بنجاح جماهيري ملحوظ، تحوّل هذا الموضوع المحبب على يد حسن الرداد وناهد السباعي وهيدي كرم وبقية فريق العمل إلى مسلسل ممل! ومصيبة «الزوجة 18» تبدو أهون من مصيبتي «فكرة بمليون جنيه» (تأليف أمين جمال وإبراهيم محسن، ومحمد فتحي، شريف يسري ـ إخراج وائل إحسان) و«طلقة حظ» (ﺗﺄﻟﻴﻒ: إيهاب بليبل ـ ﺇﺧﺮاﺝ أحمد خالد أمين) اللذين يقدمهما أصحابهما باعتبارهما عملين كوميديين، ولكنهما يحفلان بمشاهد البكاء والبؤس، ولا يكادان يحتويان على مشهد كوميدي واحد!
المسألة ليست مرتبطة أيضاً بنوعية الشخصيات التي يؤديها الممثلون، بدليل أن فتحي عبد الوهاب قدم شخصية الشرير في «لمس أكتاف» (ﺗﺄﻟﻴﻒ هاني سرحان ـ ﺇﺧﺮاﺝ حسين المنباوي) بطريقته الساخرة، فبدا جذاباً ومثيراً للتعاطف أكثر من كل الأبطال الطيبين الباكين. مثل آخر من مسلسل «قابيل» الذي يتميز بإخراج وأداء تمثيلي رائعين، ولذلك تتعاطف مع شخصياته الطيبة والشريرة برغم تعقيداتها النفسية الصعبة وموضوعه الكئيب. سوف تلاحظ أيضاً تلك اللحية الخفيفة، أو الثقيلة، التي تكسو وجوه الأبطال، والعصبية المفرطة التي تكسو وجوه البطلات، والتوتر الذي يكسو وجوه الجميع.
التعميم خطأ بالطبع، وهناك، كما ذكرنا، بعض الاستثناءات، مثل دنيا سمير غانم في «بدل الحدوتة 3» (تأليف أيمن وتار ، شريف نجيب ـ إخراج خالد الحلفاوي)، وأمينة خليل ومحمد فراج في «قابيل»، ومحمد عبد الرحمن في «الواد سيد الشحات» (ﺗﺄﻟﻴﻒ: إبراهيم خطاب وكريم يوسف ومحمد عز ومصطفى صقرـ ﺇﺧﺮاﺝ أحمد الجندي) وبيومي فؤاد، ومحمد ثروت في كل الأعمال التي يظهران فيها. هؤلاء يمثلون وهم «سايبين ايديهم» كما يقول التعبير المصري الدارج.
الملحوظة الأخيرة هي علاقة كل ما سبق بعملية الإنتاج وشركات إنتاج هذه المسلسلات. هل انفراد شركة واحدة بإنتاج معظم هذه المسلسلات وراء خروجها بهذا الشكل الذي يغلب عليه التوتر والخوف ونضوب الإبداع؟