الناظر في الموسم الدرامي الأخير، سيجد خطاً تجارياً يطغى على المكونات الإبداعية والفنية. خيم هذا النفس على مسلسلات الموسم المشتركة، متقاطعاً مع عناصر بصرية (الإبهار والاستعراض) وضخّ إعلاني هائل، إلى جانب التركيز على وسائل التواصل الاجتماعي، وتشغيل جيوش إلكترونية واسعة، بغية الترويج للعمل، وكيل المديح على أبطاله. مجموعة مسلسلات مشتركة، استكملت في أجزاء جديدة كـ «الهيبة - الحصاد» (إخراج سامر البرقاوي وكتابة باسم السلكا)، وأخرى جديدة كـ«خمسة ونص» (كتابة إيمان سعيد ــــ إخراج فيليب أسمر)، الذي جمع نادين نجيم بالنجمين السوريين قصي خولي ومعتصم النهار، وأخرى لبنانية بحت اختلفت في المواضيع المطروحة، بعضها فشل وبعضها الآخر حقق نجاحاً مستحقاً كـ «انتي مين؟» (كتابة كارين رزق الله - إخراج إيلي حبيب). نجاح الأخير اتكأ على تضافر عناصر أنقذت الدراما اللبنانية، التي دخلت متأخرة منذ سنوات إلى المنافسة الرمضانية، وإذا بها تقطف نجاحاً جماهيرياً، صنعته الكتابة الشيقة و«الكاست» المحترف، والقصة التي تطرح للمرة الأولى درامياً. إنّها قصة المهمشين في الحرب الأهلية، أو «الجيل المسروق». يتابع المسلسل حكاية «عايدة» (جوليا قصار) المحاربة السابقة التي اضطرت للهرب من منزلها عائلتها الأول والثاني، تاركةً قصصاً لم تنته بعد، وقد ابقي الإفراج عن وقائعها للحلقات الأخيرة. شكّل «انتي مين؟» العمل الأكثر نضوجاً وعمقاً لكارين رزق الله. عدا أنه أعاد الأمل بالصناعة المحلية الدرامية، أعاد إلينا أيضاً وجوهاً مخضرمة، أُقصي بعضها لصالح موجة الجميلات وعديمات الموهبة. جوليا قصار، وعايدة صبرا ونقولا دانيال، وأنجو ريحان وعمار شلق طرّزوا المسلسل بأداء جميل يدرّس. تكاد لا تمرّ حلقة واحدة إلا ويخرج منها «مشهد ماستر»، يتم تداوله في اليوم الثاني على السوشال ميديا. من ينسى المواجهة الذاتية التي أجرتها قصار مع نفسها أمام المرأة وأخرجت منها بعد ذلك صورة المقاتلة؟ من ينسى عايدة صبرا وأداءها الباهر في وصف الزعماء السياسيين وفقدانها قدمها وتحسّرها على هذه التضحية؟ من ينسى أيضاً نقولا دانيال الذي لمع في أكثر من محطة كرجل يحوي كماً من التناقضات النفسية، يلعب بها كيفما يشاء؟
مقابل نجاح «انتي مين؟» لبنانياً، سجّل إخفاق لـ «أسود» (كتابة كلوديا مرشليان- إخراج سمير حبشي). المسلسل المحلي الذي يدور حول شخصية «أسود» (باسم مغنية) وطرح للمرة الأولى قضية البيدوفيليا، لم تسعفه حبكته الضائعة وأحداثه غير المبررة. ثلاثون حلقة تداخلت فيها قصص الخيانة مع متلازمة ستوكهولم، وتصوير كاراكتيرات أخرى بحكم المكرورة كالدور الذي أدّته فيفيان أنطونيوس كطبيبة أطفال تنتقم ممن أغرمت به من دون أن يبادلها الشعور نفسه أي «أسود». ولا ننسى الأداء المراهق لداليدا خليل، التي لم تخرج من ثوب الفتاة المدللة، مقابل أداء ترفع له القبعة لورد الخال (دور مارغو)، التي قبلت على نفسها هذه المرة، تشويه صورتها كأم قاسية، وزوجة مُهمِلة، وكعشيقة لعوب، تتحكم بعشيقها (زوج ابنتها) وتدفعه لأن يقتل زوجها. أما باسم مغنية الذي غيّر «اللوك» ووضع شعراً مستعاراً، فلم يكن على قدر حجم الدور الذي أسند إليه، كرجل تعرض للاغتصاب في صغره، ويحاول الانتقام بعد جمعه للثروة والنفوذ.
على صعيد الدراما المشتركة، برز «خمسة ونص» ضمن حفلات الترويج الضخمة. عمل جمعت كاتبته السورية إيمان سعيد عدداً من الملفات اللبنانية الساخنة (النفايات، تزوير أدوية السرطان، العنف الأسري، التوريث السياسي، الحضانة...) ووضعتها في قالب سطحي، لصالح مشهدية استعراضية تتّسم بالإبهار وبلغة القصور والغنى الفاحش، من دون ملامسة عمق الأشياء. مسلسل اتكأ على عامل الرومانسيات التي تنقلت بين البطلين قصي خولي ومعتصم النهار، وما بينهما، مع أداء مخيب لنادين نجيم، التي كررت نفسها من جديد. لعلّ ما انتهت إليه الحلقة الأخيرة كان خير دليل على النفس الاستعراضي (الإيهام بقص الشعر ودعم الأطفال المصابين بالسرطان)، وتقليد قصة الأميرة ديانا التي قضت نحبها عند الساعة الخامسة والنصف في حادث سير مدبّر، لتكرس بذلك صورة في غاية المثالية لنجيم التي قتلت على يد زوجها، وحُرمت من حضانة ابنها.
النفس الرومانسي الساذج الذي اتسم به «خمسة ونص»، ما لبث أن تكرر في حبكة «الهيبة -الحصاد» الذي خصص أول عشر حلقات لأجواء علاقة عاطفية نسجت على سبيل السرعة بين «جبل» (تيم حسن)، و«نور رحمة» (سيرين عبد النور). جزء ثالث بات يتقاطع مع «باب الحارة» في اختراع واجترار الأحداث، واستخدام العنف والثأر والذكورية لرفع الأدرينالين لدى المشاهد. عمل انتهى باستغباء الجمهور، إذ قتل عدد كبير من أبطاله، وبقي اللغز حول مصير «جبل»، ليكشف ربما في الجزء الرابع. «الهيبة ـ الحصاد» دُعِّم بوجه نسائي جديد انضم إلى لائحة الحسناوات اللواتي ارتبط بهن «جبل» على مدى أجزائه من نادين نجيم إلى فاليري أبي شقرا ونيكول سابا، لينتهي الأمر إلى استثمار واضح لهؤلاء ومن سيأتي بعدهن، ضمن مشروع تجاري تركب أحداثه بشكل عشوائي ويعتمد فيه على وسامة أبطاله.