أهم ما في سعيد سرحان عصاميته، وإصراره على النجاح. في ظروف قاسية نشأ سعيد في كنف والدته مع أخيه ابراهيم. والده غسان كان أحد مقاومين الذين تصدوا للعدو الإسرائيلي في بيروت والجنوب، بعد دخول الجيش اللبناني إلى بيروت عام 1983 واستشهد أثناء قيامه بواجبه القومي. يومها كان سعيد في الرابعة من عمره. والدته أخذت المسؤولية وقامت بالواجب خير قيام. باكراً تفتّحت مواهب سعيد سرحان الفنية. في رأس بيروت وقف للمرة الأولى على خشبة المسرح، وكان لا يزال في السادسة من العمر. صفق له الجمهور طويلاً على أدائه المميز لشخصية شوشو في أحد «الاسكتشات». تعلقه بالمسرح ازاداد عندما حضر مسرحية إيماء لفائق حميصي على خشبة «المركز الثقافي الروسي» عام 1986. في نادٍ في شارع الحمراء يهتم بالنشاطات المسرحية، أجاد سعيد الأدوار التي أُسندت له. اهتمامه بالنواحي الفنية خف بعض الشيء في المدرسة وطغى الجانب العلمي على تفكيره.امتحانات الدخول إلى جامعة LAU اجتازها بنجاح. علاماته أهلته لدخول كلية الهندسة. بعد سنة أمضاها في دراسة هندسة الميكانيك، عاد التفكير بالمسرح ليشغل بال سعيد واهتماماته. أربع سنوات أمضاها في كلية الفنون في الجامعة اللبنانية تخرّج سعيد سرحان منها حاملاً شهادة «الدراسات العليا في المسرح».
كان في السنة الثانية الجامعية عندما وقف على خشبة المسرح للمرة الأولى كمحترف. مثّل في إحدى المسرحيات التي عرضت ضمن فعاليات بيروت عاصمة ثقافية للعالم العربي عام 2000. من خلال هذه المسرحية، تعرف إلى المخرج عصام بو خالد، ليشكّل هذا التعارف بداية لرحلة تعاون ما زالت مستمرة حتى اليوم. إذ ظهر سعيد سرحان في معظم مسرحيات عصام بو خالد. «طبعني عصام بطريقة تفكيره، فأصبحت أفكّر مثله في كل ما يتعلق بتكوين المشهد الدرامي» يقول سعيد سرحان.
في الجامعة اللبنانية أيضاً، شاهده روجيه عساف يؤدي دور شوشو. كانت المناسبة مشروع تخرج لأحد الطلاب بعنوان «تقاسيم على شوشو». بعد نهاية العرض، اقترب منه وقال له: «يالله ذكرتني بشوشو». فائق حميصي الذي كان حاضراً، قال له أيضاً: «عظيم لقينالك شغل صار فيك تعمل مسرح شوشو». يقول سعيد: «شخصية شوشو متأصلة في داخلي ولا تفارقني لحظة. طموحي أن أؤدي دور شوشو في فيلم يحكي قصة حياة هذا العملاق العظيم».
في عام 2004، شارك سعيد سرحان في فيلم للمرة الأولى. كان بعنوان «فلافل» للمخرج ميشال كمون. في هذا الفيلم، تعرف إلى زينة صعب دميلروس التي أصبحت فيما بعد زينة سرحان. إعجاب سعيد بزينة بدأ قبل أن يتعرف إليها. أحبها من خلال أدوارها في مسلسل «طالبين القرب» الذي عُرض على شاشة lbci. العمل التمثيلي لم يستهوِ زينة كثيراً حيث اتجهت أكثر نحو إدارة المشاريع الفنية. مشاركتها في فيلم «كفرناحوم» لنادين لبكي كان أبرز أعمالها بعد «طالبين القرب» وفيلم «فلافل»، وهي الآن تستعد للوقوف أمام زوجها في فيلم جديد من إخراج ميشال كمون أيضاً.
يستعدّ حالياً لفيلم جديد من توقيع المخرج ميشال كمون


في عام 2005، انتقل سعيد سرحان للعمل في قناة« الجزيرة» (أطفال). العقد المؤقت الذي كانت مدته شهران امتد لست سنوات. انتقاله إلى قطر جاء بعد قرار اتخذه بترك العمل في تلفزيون «المستقبل». بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تغير الوضع كلياً في التلفزيون. «كان عليك أن تصمت أو أن تواجه، والخياران لم يكونا الخيار الأنسب بالنسبة لي فاتجهت إلى خيار ثالث ألا وهو ترك العمل» يقول سعيد سرحان.
في «الجزيرة» (أطفال) لمع اسم سعيد سرحان في برنامج «الدرب» حيث تولى فقرات الربط. وقد حلّ في المرتبة الأولى بين برامج الأطفال في العالم العربي. كما صنف أولاً على صعيد المشاهدة بين الجاليات العربية في العالم. «برج الجرس» أيضاً كان محطة مميزة لسعيد سرحان على «الجزيرة» (أطفال)، وقد بلغت كلفة إنتاجه 6 ملايين يورو. عدد من الجوائز الفنية حصل عليها سعيد سرحان أولها عن دوره في فيلم روائي قصير للمخرج طلال الياس خوري بعنوان «يوم وفاة محمود درويش».
في 2011، ترك سعيد سرحان العمل في «الجزيرة»، وعاد إلى لبنان، حيث أطلق بالشراكة مع المخرج إيلي متري مشروعاً بعنوان stand up comedy club في شارع مونو. هذا المشروع كان الأول في لبنان الذي يستضيف كوميديين من هذا النوع، واستقطب عدداً من المواهب المميزة. مشاركة سعيد في المشروع لم تدُم طويلاً. قرر الانسحاب منه بعد فترة لأسباب خاصة. بعد فض شراكته مع إيلي متري، اتّجه إلى تأسيس شركة إنتاج خاصة به شكلت مكاناً مميزاً للاتقاء الأفكار والمشاريع الجديدة. بعض هذه الأفكار والنصوص استعان بها المخرج عصام بو خالد في عدد من مسرحياته.
جدية سعيد سرحان ومثابرته في العمل أوصلته إلى «شركة مركز بيروت الدولي للإنتاج»، الجهة المنتجة لبرامج قناة «المنار». في مسلسل «قيامة البنادق» الذي عرض على «المنار»، برز سعيد في دور «مالك». كان هذا الدور الأول له على الشاشة الصغيرة. كان سعيد صغيراً عندما حضر مسرحية «الدبور» لأحمد الزين. بعد انتهاء العرض، تسلل إلى خلف الستارة. تقدم من بطل المسرحية أحمد الزين وقال له: «عندما أكبر سأمثل معك». كانت لحظة تساوي عمراً بالنسبة إلى سعيد عندما التفت إليه أحمد الزين بعد انتهاء تصوير أحد المشاهد معه في مسلسل «قيامة البنادق»، وقال له: «برافو عليك يا ابني ما تنسى تعطيني رقمك». في المساء، رنّ هاتف سعيد سرحان، وكان المتصل أحمد الزين. هنأه بحرارة، وأعطاه بعض الملاحظات التي أفاد منها في ما بعد في تمكين موهبته الفنية.
في مسلسل «درب الياسمين» على قناة «المنار» أيضاً، وقف سعيد سرحان أمام عملاق كبير هو نقولا دانيال. «العمل مع دانيال له طعم آخر» يقول سعيد سرحان قبل أن يضيف: «لا يمكن أن يمر مشهد من دون أن تتعلم أشياء كثيرة من هذا الفنان والأستاذ في كلية الفنون في الجامعة اللبنانية». دور «رزوق» في مسلسل بلاد العز أعطى سعيد سرحان جرعة إضافية من الثقة بالنفس، كإمكانية فنية لها مستقبل واعد. ثقة سعيد بنفسه قابلتها ثقة المخرجين وشركات الإنتاج بموهبته، وهذا ما برز جلياً عندما اتصل به المخرج السوري سامر البرقاوي وعرض عليه العمل معه في الجزء الثالث من مسلسل «الهيبة - الحصاد». قال له: «أمامك تحدٍّ كبير في هذا المسلسل، عليك أن تتقن اللهجة البعلبكية». لم يكن البرقاوي يعرف عندما أطلق هذا الكلام، أنّه يطلب من سعيد سرحان أسهل الأمور لديه وأحبها إلى قلبه. لا يعرف سعيد سر تآلفه مع هذه اللهجة وهو يقول: «إنها تجري على لسانه بطلاقة منذ أن سمعها من عدد من أصدقائه في المدرسة». دور «علي» في هذا المسلسل الذي شاهدناه في رمضان الماضي، يشعر سعيد سرحان كأنه تجمع لعدد من الشخصيات التي لعبها قبلاً في عدد من المسلسلات. كان التحدي الأكبر لسعيد في هذا المسلسل إيجاد نوع من التآلف بينه وبين فريق العمل. معظمهم عمل مع بعضهم البعض في الجزءين الأول والثاني من المسلسل، وأصبحوا على درجة عالية من التفاهم والانسجام. هذه المشكلة لم يكن سعيد يتوقع لها أن تُحلّ بمجرد دخوله مكان التصوير. الجميع أشعره بأنه فرد من العائلة منذ اللحظة الأولى، بخاصة القديرة منى واصف. حتى إنّه أصبح يحب التواجد بين الممثلين وإن لم يكن عنده تصوير. نجاح المسلسل يرجعه سعيد سرحان بالدرجة الأولى إلى المخرج سامر البرقاوي. «هو شخص يثق بخياراته جيداً. «الهيبة - الحصاد» جعل لي مكاناً وهيبة بين الممثلين بسرعة لم أكن أتوقعها». بهذا الكلام يختم سعيد سرحان حديثه.