ضمن فئة البلوز والجاز، أمسية بلوز «صنع في لبنان» ما كانت لتخطر في بال أحد. في الإجمال، قاعدة البرمجة من حيث العُرف الذي أرسِي بالممارسة منذ عقود في المهرجانات الأساسية، تقوم على دعوة رموز موسيقية تمثّل الأنماط المختلفة وترسم خارطة شبه شاملة لعالم الموسيقى. لنتكلّم نظرياً قليلاً. مثلاً، الموسيقى الكلاسيكية الغربية تُمَثَّل بأساطير حية أو بنجوم، من أوروبا بشكل أساسي، على اعتبار أن هذه الموسيقى هي أوروبية الأصل والصناعة تأليفاً وعزفاً (إن دُعِي عازف البيانو الأميركي موراي بيرايا لن يُعدّ ذلك خروجاً كارثياً عن القاعدة طبعاً! دعونا لا نستخفّ بالموضوع). الجاز يحضر في المهرجانات من خلال رجاله الأميركيين حكماً، السود إذا أمكن (راجع تاريخ «بعلبك» قبل الحرب وفي بعض دورات ما بعد الحرب). الموسيقى اللبنانية، فيروز (على سبيل المثال). الموسيقى الإثنية: الكلتية أو السلتية (celtic) يمثّلها فنان من أقصى غرب أوروبا، لورينا ماكينيت مثلاً، الأفغانية يمثّلها نُصرَت فاتح علي خان، رحم الله حنجرته القنبلة، الراي الجزائري يمثّله الشاب كذا، إلخ… لكن في أي خانة نضع مشاركة فرقة Monday Blues Band ضمن «مهرجانات بيت الدين الدولية» في 8 آب (أغسطس)؟ نحن أمام واقع أشبه بذاك المشهد من مسرحية «بخصوص الكرامة والشعب العنيد» لزياد الرحباني، عندما أراد أحد المواطنين (اليائس) تقديم شكوى في ما خصّ الجريمة التي ارتُكبَت بحق طموحه ومستقبله في هذا البلد. يحار الضابط في الخانة التي يندرج تحتها هذا النوع من الحوادث: تهديد؟ ترغيب؟ ترهيب؟ كسر؟ خلع؟ ويعطيه بعض النماذج عن الشكل الذي قد تأخذه هكذا شكوى: مصرع طموح الساعة 12:30 بالليل عا طريق الدامور! خلع مستقبل عا راس النبع! فلو كانت الأوضاع طبيعية لكان من العدل تسجيل تحفّظ على هذه الأمسية واعتبار دعوتها إلى هذا المهرجان نوعاً من الأخطاء المهنية النافرة. لكن في ظلّ التمويل الشحيح، تُدرَج هذه مواعيد تحت خانة المخارج اللائقة التي تقي شرّ الاستسلام ولو أنها غير مبرَّرة كلّياً.
إذاً، تحل هذه السنة هذه الفرقة الشهيرة محلياً والتي تقدّم موسيقى البلوز دون أن تكون فرقة بلوز حقيقية. في لبنان لا فرق بلوز. هناك فرق تجيد أداء هذه الموسيقى (وهي من أسهل الأنماط تقنياً) لكنها تفتقر لعنصر جوهري: الروح أو الإحساس. فالفرقة اللبنانية تتألّف من شخصيات أرستقراطية، نشأت حكايتها الموسيقية تحت سقف فيلّا… و«فيلّا» و«بلوز» لا يمكن وضعهما تحت خانة واحدة، فكيف إذا كانت الفيلا لبنانية! هذا لا دخل له بالفرقة وأعضائها، وهم بالتأكيد من عشّاق البلوز ويتمتعون بشغف نادرٍ هذه الأيام، ومستوى أدائهم أكثر من جيّد، بمعنى أنه لا يبلغ الاحتراف الذي يتطلّب تفرّغاً للمهنة، لكنه يتخطى الهواية لناحية احترام أصول صناعة هذه الموسيقى. كمال بدارو وعيسى غريِّب ورفاقهما يفتقدون روح هذه الموسيقى. هم أول من يعرف ذلك، ويعلمون أيضاً أنّ هذه الروح لا تُكتسب لا بإتقان الآلة ولا بعشق النمط ولا بتوافر أحاسيس من النوع الصادق والعميق: بكل بساطة، شاء القدر أن يولد أفراد الـMBB في أسر ثرية، لا بين ثلمَي تراب في حقل قطن في دلتا الميسيسيبّي. روح البلوز هو عنصر مستحيل عليهم، وهو أهم عناصر هذه الموسيقى.
تأسست فرقة Monday Blues Band في التسعينيات، حين اجتمعت شلّة من هواة الموسيقى يجمعهم حبّهم للبلوز ورموزه. بقيت إطلالاتهم محصورة في أمكنة محددة، مثل ناديَي الـ «كوادرنغل» والـ «بلو نوت»، بالإضافة إلى مشاركاتهم الدورية في التظاهرات الموسيقية العامة كعيد الموسيقى. ريبرتوارهم يتألف من كلاسيكيات الكبار (بي. بي. كينغ، إيريك كلابتون، ألبرت كولنز،…) ونمطهم، داخل البوز، أقرب إلى ما يُعرف بالـ «شيكاغو بلوز»، وهو التيار الذي خلقه نزوح العمال الأفارقة الأميركيين نحو الولايات الصناعية الشمالية (شيكاغو مثلاً) إبان «الكساد الكبير» (الأزمة الاقتصادية الكبرى في أميركا منذ أواخر عشرينيات القرن الماضي حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية). فتركيبة الفرقة اللبنانية تحاكي النواة الأساسية للـ «شيكاغو بلوز» (غيتار باص، غتيار كهربائي، بيانو أو كيبورد، ساكسوفون ودرامز)، وجزء مما تقدّمه هو استعادة لكلاسيكيات من تلك الفترة.