تفرض لغة الموت نفسها على شوارع بيروت. يقف الجميع عاجزاً عن كبح جماح الموت، فيما تنهال المحطات الفضائية بهوائها المباشر على المشاهدين لتغطية حلقات الإرهاب. هذا الموت يلتصق بالجميع بلا استثناء.
شبحه يلاحق مَن يلزَم بيته، ويقرّر الإمساك بـ «الروموت كونترول»، والانتقال من محطة إلى أخرى ليواكب الحدث من بعيد، علّه يفلت من الوجع قليلاً، لكن عبثاً لا محالة. هذا الوجع ينمو بسرعة هائلة مع تضاعف الأخطاء الإعلامية المقصودة وغير المقصودة.
أمس الأربعاء، ضرب الإرهاب مجدداً الضاحية الجنوبية في بيروت، ومعه تتالت السقطات الإنسانية في المحطات التلفزيونية، فأرست بعضها دعائم احتكار لفظ «الشهيد» على فئةٍ دون غيرها، غافلةً أنّ تكريم الضحايا بلفظ «الشهداء» هو أضعف التضامن الإعلامي مع القضايا الإنسانية العادلة. هكذا، نقلت فضائية «الأقصى» التابعة لحركة «حماس» خبر الانفجار المزدوج الذي ضرب منطقة بئر حسن في الضاحية أمس، وفقاً لهذه الصياغة: «ثلاثة قتلى في هجومين تفجيريين في بيروت».
لم يكن أحد سيعتب على «الأقصى» لو كانت تتبنّى مصطلح «قتلى» على الدوام، ولا تلصقه فقط بجماعة تختلف سياسياً معها في موقفها من الأزمة السورية الطاحنة.
لم تكن هذه الكلمة ستستوقف أحداً لو أنّ «الأقصى» اعتبرت أنّ ضحايا مجزرة رابعة العدوية في مصر هم أيضاً «قتلى» في كلّ أشرطتها الإخبارية العاجلة، ونشراتها وبرامجها الحيّة.
ولم تكن هذه الكلمة أيضاً ستهزّ كثيرين لو انطلقت المحطة من مفهوم مغلوط مغلّف بالحيادية وداعٍ لإلقاء العواطف جانباً وعدم إقحام لفظ «الشهيد» في الأخبار باعتبارها مقدسة، فيما التعليقات تبقى حرّة. غير أن كلّ تلك المسوغات لم تتوافر في خبر «الأقصى» العاجل، لتشرّع الباب أمام تساؤلات عدّة: كيف لمحطةٍ تعمل ليلاً نهاراً لإعلاء أسماء الشهداء والأسرى، تُدرج مَن حصد الإرهابُ روحَهم ضمن «القتلى» تماماً كما القتلى الصهاينة ممن تصبّ المقاومة الفلسطينية أعمالها نحوهم؟ كيف مَن انتفض في وجه ظلم عسكر مصر بتغطيته الإعلامية وتخصيصه ساعات طويلة من البث الحي لمجزرة رابعة، لا ينتفض أمام ظلم آخر، فيبخل على الشهداء لفظ «شهداء»؟ كيف لمحطةٍ تنقل معاناة غزّة المكلومة أن تنزع كلمة «الشهيد» عمّن عاشوا المعاناة ذاتها عام 2006؟ كيف يمكن لـ «الأقصى» أن تعميها الخلافات السياسية الحالية بين «حماس» و«حزب الله» إلى حد «غربلة الشهداء» هكذا؟.
لم يرف لـ «الأقصى» جفن أمام صور الأطفال الضحايا على الجدران الفايسبوكية وحسابات تويتر، وخصوصاً أولئك التابعين إلى «دار الأيتام الإسلامية» حيث وقع أحد الانفجارين.
ولم تتأثّر المحطة بصورة تعود إلى طفل كان يلهو مع رفاقه في حفل عيد ميلاد زميلهم، فرحاً بالرسوم الملوّنة التي غطّت وجهه، قبل أن يدوّي الإنفجار، ويخرجه جندي في الجيش وهو يبكي أثناء النظر إلى
الكاميرا.

يمكنكم متابعة عروبة عثمان عبر تويتر | OroubaAyyoubOth@