تفضح عايدة صبرا في عرضها الجديد «من الآخر» (تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً) فشل المؤسسة الزوجية في إطار كوميدي ساخر، بالإشتراك مع ماريليز عاد وإيلي نجيم (إعداداً وتمثيلاً). صبرا التي لطالما اتّخذت خطاً واضحاً في عالم المسرح من حيث نوع الأعمال التي شاركت فيها (تحمل همّاً ثقافياً وتجريبياً)، تفاجىء الجمهور اللبناني هذه المرّة بتقديم لون مغاير في عرض أقرب إلى فنون المسرح الشعبي. وهنا نشير إلى أنها كانت قد أدّت بعض الأدوار ضمن الإطار الشعبي، وشاركت منذ حوالي 20 عاماً في «مسرح الحكواتي» مع روجيه عسّاف وعلى الشاشة (برنامج «حلونجي يا اسماعيل» لفايق حميصي وأحمد قعبور) في دور «امرأة عمي نجاح» الذي نال صدى واسعاً بين المشاهدين. بخطى ثابتة، تعود صبرا في عرضها إلى الكوميديا الشعبية لتقديم همّ إجتماعي وإنساني في إطار يقارب الـ «ستاند آب» والحكواتي. مزجت الاثنين بنكهتها الإخراجية والأدائية الجسمانية الخاصة.

تدخلنا من خلال تفاصيل حركتها الجسمانية إلى تفاصيل شخصيّة: امرأة خمسينية تستعيد شريط علاقتها مع زوجها وواقع تحوّله من العشيق الملتهب إلى العدوّ رقم واحد. نتنقّل معها في شريط حياتها بين أطراف متناقضة من الماضي الجميل الفاني إلى الحاضر المرير المعاش، ومن وقوع في حب انصهر فيه العاشقان إلى وقوع في هوة من الغربة التامة بين الزوجين. وهذا ما يُغرِق الزوجة في القلق والشكّ والإنهيار.
تطرح صبرا إشكالية التواصل بين الزوجين في أدقّ تفاصيلها ومشاكلها اليومية. إنّها حكاية عامّة قد تطال الجميع في علاقاتهم، خصوصاً الزوجيّة. لكن صبرا حاكتها بنسيج من تفاصيل ساخرة اندرجت في «المبكي المضحك» لقصص الواقع، وأنجزتها بلغة مسرحية قريبة من الناس ضمن قالب تمثيلي من الطراز الأوّل. منذ بداية العرض حتى نهايته، أمسكت بنفَس الجمهور وأثارت ضحكاته المتواصلة التي خبّأت مرارته في استعادة شريط علاقاته الشخصيّة هو الآخر. أما صبرا الكاتبة، فقد تمكّنت من حياكة معطيات وتداعيات إنهيار المؤسسة الزوجية، فلم تكتفِ بتناول خسارة الحب مع الوقت، بل طرحت أيضاً خسارة الثقة من خلال تقديم الزوجة كمجنونة شكّ (بارانويا) تبحث عن خيوط تثبت خيانة زوجها لها. هكذا، يصبح المنزل حلبة مصارعة للزوجين، تؤجّجها المسؤوليّات العائلية والماديّة والواجبات المنزلية.
يمنحنا «من الآخر» شعوراً بالتلصّص على هذه الفضيحة العائلية المخبّأة بين جدران البيت، عبر ثقوب صغيرة تفتحها صبرا لنا. تروي وتؤدي الأحداث في قالب بصري يقارب طرح الرسوم المتحرّكة من حيث الشكل والروحية (تصميم وتنفيذ مجموعة «ورق») ويُلائم أدوات النص. يجسّد الممثلان عاد ونجيم أفكارها، كما يؤدّيان شخصيات قصصها، ما أضاف للحكايا بعداً كوميدياً مشهدياً لا نصّياً فقط. شعرنا أنّ النص والإخراج شكّلا لحمة واحدة من حيث الأسلوب، إلى جانب أداء صبرا المندرج في الإطار نفسه من حيث التعبير الجسماني والصوتي، وأداء عاد ونجيم الخفيف الظل. واللافت هنا هو الديناميكية الجميلة الحيويّة بين الممثلين الثلاثة التي أظهرت العمل الجماعي رغم ارتكاز النص بمعظمه على لعبة الممثل الصولو. وهذه نقطة إيجابيّة تحسب لصبرا كمخرجة عرفت كيف تمسرح النص وتحوّله من قالب فردي إلى جماعي.
التيمة الأساسية للعرض، وطريقة معالجة الشخصية كمجنونة شك، فتحتا لصبرا باب القفز إلى مواضيع أخرى كنظرة المجتمع إلى المرأة ومعاناتها مع الرجل الشرقي الذي يحاول التلاعب بها. يشعرها أنها امرأة متخلّفة بتحفّظاتها إذا رفضته، أو ساقطة إذا قبلت به. وقد مرّت صبرا على سلوكيات الرجل الشرقي المتناقضة من خلال استخدام جميع أبطالها الذكور للجمل نفسها مثل «بوعدِك ما رح أعمل لك شي» التي أصبحت لازمة في العرض يردّدها الجمهور مع الممثل. كما استحضرت الحرب وتأثيراتها على العلاقة. وقد ربطت صبرا جميع هذه القصص المستطرَدة بخيوط متينة كاد الجمهور أن لا يعرف كيف دخل إلى قصة ليخرج من أخرى بسلاسة من دون أن يتيه عن التيمة الأساسية.
عرض عايدة صبرا يقدّم مزيجاً من عناصر كثيرة أسهمت في إمتاع الجمهور طوال ساعة. وقد تجلّى هذا في تماسك النص، وقوة الأداء، وإيقاع العرض المنضبط، وروحيّة الإيمائي من حيث التمثيل والإخراج. أدى ذلك إلى عرض كوميدي ذي بصمة خاصّة قد يكون فاتحة لصبرا للخوض في لون جديد أتقنته وبرعت فيه، والأرجح أنه سيكسبها جماهيرَ إضافية.



«من الآخر»: 21:30 مساء الإثنين والثلاثاء حتى 31 آذار (مارس) ــ «مترو المدينة» (الحمرا _ بيروت). 76/309363