مع أنّ تجربته مع الشعر قديمة العهد، لم يدّعِ نهيد درجاني يوماً أنّه شاعر، ما أكسبه مساحة أوسع من التجريب فوق أرض الكتابة، ومنحه حرّية أكبر في الخروج على الكادر، والتفلّت من الإيتيكيت، والانزلاق فوق منعرجات ومنحدرات اللغة. كما أنّ اعتباره في أكثر من تصريح بأنّ نصّه هجين، سمح أيضاً للعوالم في نصوصه أن تختلط، وللمناخات أن تمتزج، كأنّما الأرض تتهاوى من تحت نصّه والسماء تتطوّح من فوقه، وهو بينهما بالكاد يلتقط أنفاسه، ينفث سطوره كمن يلهث وراء خلاصه، من دون أن يسكنه هَمّ تقديم نفسه أو صوغ بطاقة دخوله إلى القارئ. شيء من عدم الأمان يسكنه، من عدم التوازن، من عدم الاستقرار. شيء ما يختلط، ويرتجّ.

غير أنّه يبقى، رغم هذا الارتجاج الأشبه بحمّى وجوديّة شعريّة، ممسكاً خيط الإيقاع الخفيّ، راصداً بدايات نصوصه وخواتيمها، رغم طولها أحياناً، رابطاً تقافُز الأفكار والجمل والصور. رأسه برأس الشعر: مَن يتعب قبل مَن؟
شاعر تجربة، نهيد، يكتب ما يغلي في داخله، ويقعد على صدره، ويفترش قلبه. تجربة حيّة، محسوسة، شغوفة، جريئة وحامية. يكتب بأعصابه، بفوران دمه، بغرائزه، برغباته، بشهواته، بمكبوتاته، رافعاً عنها غطاء التحفّظ والقمع والرقابة الذاتيّة. ولا يتوانى عن دفع كلماته إلى خطّها الأحمر، وصوره الشعريّة إلى حيّزها الساخن، في لعبة جماليّة تتآخى فيها القسوة والرقّة، الجهة المظلمة والمشرقة، الحرام والحلال، حيث لا سقف فوق رأس كتابته، ولا خيمة فوق رأسه هو.
وكتابه «أنا بريء من دم هذا الشعر» (دار النهضة العربية)، بل باكورته، ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسمان الأوّلان تحيّة إلى والديه، إلى أبيه الصارم الأبيّ، وإلى أمّه الشقراء التي رحلت إلى السماء بجناحين خاطتهما سرّاً من حرير عذاباتها، على متن الصبر مفتاح الفرج. القسم الثالث، والأكبر في الكتاب، يفتح على عشق محموم لامرأة تتأرجح بين الشبق والطوباويّة، ألسنة براكينها من نار وحنان.
وفي خضمّ هذه الحمى الشعرية، يطرح الكتاب، في ما يطرح، قضية الكتابة نفسها.

* شاعر لبناني

«أنا بريء من دم هذا الشعر» (دار النهضة العربيّة) يوقّعه الشاعر برعاية «البيت الزغرتاوي» في السادسة من مساء اليوم الجمعة في مبنى الكبرى في إهدن. تتخلّل الاحتفال كلمة للشاعر فوزي يمّين وقراءات شعريّة للمحتفى به