عُرف عن سيمون أسمر أنه لم يكن يكتفي بإبراز الهواة ودفعهم نحو منصة النجومية، لكنه كان يتعهد بعضهم بالعناية والاهتمام، ما يؤهّل واحدهم لأن يمتلك مقومات النجم وعوامل تمايزه. لم تكن هذه الرعاية مجانية بقدر ما شكّلت عملية استثمار أمّنت للمخرج فرصة جني الأموال الطائلة عبر عقود عمل طويلة الأمد مع هواة مبتدئين طامحين إلى الاحتراف المثمر.
أمكن لهذه الآلية المعتمدة من قِبل أسمر أن تضعه في مرمى انتقاد بعضهم ممن اعتبروه مستثمراً في الموهبة أكثر منه مكتشفاً لها. يأخذ عليه آخرون انتقائيته في تسليط الضوء على بعض الهواة والتعمية على الآخرين، أمكن لذلك كله أن يحدث اعتماداً على السطوة التي تأتت لسيمون أسمر في زمن أحادية «تلفزيون لبنان» الذي كانت له فيه كلمة مسموعة ورأي نافذ.
التغيير الجذري الذي طرأ على الواقع المرئي لاحقاً أسهم في وضع أسس جديدة لمعايير اللعبة السائدة. تكاثرت محطات التلفزة باطراد مثير للدهشة. احتشد الفضاء بأقنية مرئية قادرة على اختراق المسافات الشاسعة بسهولة لافتة. ولم يجد القائمون على الشأن التلفزيوني بدّاً من الاعتماد على التوليفة (الفورما) الجاهزة المستوردة من الخارج. هكذا صار متعذراً على المخرجين طرح رؤاهم ومقترحاتهم الإبداعية الخاصة، أصبح المخرج مجرد منفذ أمين لتعليمات جاهزة.. أمكن لسيمون أسمر، تبعاً لذلك، أن يتحول إلى ظاهرة لا تقبل التكرار.
مرت حقبة زمنية طويلة قبل أن يعود سيمون أسمر مجدداً لتقديم نسخة معاصرة من برنامجه الأثير (عام 2010 على محطة mtv). بدا واضحاً أنه كان يتكئ على الإرث الذي حظي به في أذهان المشاهدين المخضرمين. أمكن للبرنامج أن يترك بصمة مؤثرة، لكن النتائج أثبتت أن الزمن الذي كان بوسع سيمون اسمر ادعاء التفرّد فيه قد ولّى، صار واحداً بين كثيرين. ذلك أنّ مياهاً كثيرة كانت قد جرت من تحت الجسور، وتقدمت البرامج الجديدة المستوردة من الغرب، مثل «سوبر ستار» و«ستار أكاديمي»، لتهيمن على المشهد، مما لم يترك خياراً أمام «استوديو الفن» سوى أن يتحول إلى ذكرى طيبة.
لم يكتف بإبراز الهواة، بل تعهّد بعضهم بالعناية والاهتمام
حافظ سيمون أسمر على نيافته الرمادية كصاحب تجربة إبداعية يعتدّ بها، تولى إخراج بعض برامج المنوعات والحوارات المثيرة للاهتمام، كما أسندت إليه بعض الحلقات التلفزيونية المناسباتية التي تطلّبت بعض البذخ في إعدادها. أدرك لاحقاً أنه أمام موجة إنتاجية سائدة تصعب عليه مواجهتها بمثل ما يتعذر عليه الانخراط بها. لجأ حينها إلى إطلاق مؤسسة «نهر الفنون» التي شكّلت مشروعاً تجارياً تحت ستار فني. مجدداً، تعالت الأصوات المنتقدة لانتقائية سيمون أسمر، وصلت عند البعض إلى حدّ اتّهامه بتعمّد إذلال الفنانين الذين يتعامل معهم. يروي أحد هؤلاء في مجالس مغلقة كيف أنه كان يقطع أسبوعياً مسافة شاسعة حتى يصل إلى «نهر الفنون»، بشق النفس المادي ليفاجأ بسيمون أسمر يدعوه للحضور في الأسبوع المقبل، لأن لائحة المشاركين في الغناء لا تتسع له.
في وقت متأخر من زمن العمر، كان سيمون أسمر على موعد مع صدمة مؤسفة، حيث تعرض للملاحقة القانونية بتهمة القتل. جريمة غامضة أودت بحياة محمد راغب الدرويش، أحد العاملين في «نهر الفنون» من التابعية السورية، وضعت المخرج الموهوب في مرمى الاتّهام، خاصة بعدما تبيّن وجود صلة لا تخلو من شبهة بينه وبين الضحية. دخل الرجل إلى الزنزانة التي كان الظن أنه أبعد الناس عنها، ثم أُسندت إليه تهمة التخلف عن تسديد مستحقات مالية ترتبت بذمته. أمضى قرابة عشرة أشهر في السجن ثم أُفرج عنه ليحظى بفرصة عمل متواضعة في محطة «أم. تي. في».
بدا واضحاً أن وسائل تحصيل العيش التي اعتمدها أسمر بعد خروجه من السجن أملتها الضرورة وحدها. كان على الرجل أن يجلس، مضطراً، على مقاعد لا تليق بتاريخه الفني سعياً لتأمين متطلبات الحياة القاسية مثل «ديو المشاهير» على شاشة «إم. تي. في» الذي استضاف بعض الأسماء المعروفة في لعبة دعائية فاضحة. كان صانع النجوم يفقد الكثير من تألقه، وكان مشهد الختام يتتابع فصولاً ليسدل ستارة متواضعة على حياة صاخبة اتّسمت بكثير من البذخ والإنجاز.
* تقام الصلاة عند الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم في «كاتدرائية مار جرجس المارونية» (بيروت)، على أن ينقل جثمان الفنان الراحل إلى بلدة غزير حيث يوارى الثرى في مدافن العائلة. تقبل التعازي قبل الدفن وبعده يوم السبت 14 (أيلول (سبتمبر) في صالون «كاتدرائية مار جرجس المارونية» (بيروت)، من العاشرة صباحاً لغاية السادسة مساءً، ويوم الأحد 15 أيلول في صالون «كنيسة السيدة الحبشية» (غزير) من العاشرة صباحاً لغاية السادسة مساءً.