آتوود: «الكابوس» من الداخل
سبق لمارغريت آتوود (79 عاماً) أن فازت بجائزة «بوكر» عام 2000 عن روايتها «القاتل الأعمى»، وهي تُعدّ أكبر كاتب سناً على الإطلاق الذي يحصل عليها. وقد وصفت لجنة تحكيم الجائزة «الوصايا» بكونها «شرسة وبديعة»، بعدما تجاوزت مبيعاتها مئة ألف نسخة في الأسبوع الأول لصدورها في بريطانيا.
وضعتنا آتوود في الجزء الأول من الديستوبيا الدينية («حكاية خادمة») التي تحلّ بعد تسلم جماعة «أبناء يعقوب» الحكم في الولايات المتحدة، في مواجهة أسئلة كبرى عن موقع المرأة في المجتمع البطريركي والهرمية وإشكاليات الأمومة والإنجاب. وسبق لآتوود أن صرحت في مقابلةٍ في أيلول (سبتمبر) الماضي أن الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أوصلت ترامب إلى السلطة، أوحت لها بكتابة «الوصايا» وشجعتها لمواصلة حكاية الحكم الثيوقراطي الدموي التي كتبت قبل 30 عاماً. حكاية أوفرد الخادمة المكرّسة للجنس مع القائد الذي تم «فرزها» إلى منزله، بهدف الإنجاب والمساهمة في تحسين النسل في جلعاد، الهم الأكبر في الدولة المعلنة حديثاً. أصبحت هذه الحكاية مرجعاً رمزياً مجدياً للإحالة إلى الواقع المتردّي في ظلّ حكم الجمهوريين وتصاعد الخطاب الشعبوي، وتأثر المرأة والمثليين والمهاجرين والأقليات بصعود الخطاب المتشدد ضدهم. حجزت ديستوبيا آتوود مكانها ليس فقط في الراهن الأميركي وإنما في دول غربية عدة، ناهيك أيضاً بالجمهور العربي الذي شاهد المسلسل في السنتين الأخيرتين، وقارن ممارسات حكام «جلعاد» بما شهده العالم العربي من ممارسات التنظيمات الدينية المتطرفة.
في «الوصايا» التي تبدأ أحداثها عام 2197 سنقرأ قصة «جلعاد» الدولة الدموية من وجهة نظر «العمة ليديا»، الناظرة الشريرة في «حكاية خادمة»، أغنس، فتاة يتيمة تبنتها عائلة في «جلعاد»، وديزي التي تقيم في تورونتو بعد تمكنها من الهرب. سنكون هنا أمام حكاية الجيل اللاحق في «جلعاد»، كأن آتوود تريد القول إن الأمل في الجيل المقبل لإنقاذنا من السوداوية الراهنة.
همٌ نسويّ في ظلّ خطر تفشّي الكراهية وخطابها ضد المستضعفين
إذاً الشرّ يتكلم هذه المرة، يروي قصته فنكون أمام خطابٍ شبه اعتذاري. نرى البطش والوحشية اللذين ميّزا الحكم في جلعاد ورموزه، بلسان هؤلاء، مع العلم أن العمة ليديا كانت لديها مواقف قليلة في «حكاية خادمة» تُظهر فيها جانباً عاطفياً. نعرف قصة حياة ليديا قبل جلعاد، كما نقرأها تتأمل في نفاق العقيدة التي قامت عليها جلعاد، وفساد الحكم فيها. إذاً بعد التعرّف إلى الكابوس المولود من تحالف التعصب الديني والبنى البطريركية وتأثير ذلك على المرأة في «حكاية خادمة»، تأتي «الوصايا» في لحظة سياسية مناسبة، تدعو آتوود فيها إلى عدم القبول والخنوع، لا سيما بعدما رأينا في الجزء الأولى كيف أن البشر قد يتكيّفون مع أكثر الظروف عبثيةً وعنفاً.
إيفاريستو: ضد «اللامرئية»
«فتاة، امرأة وأخرى»، رواية إيفاريستو (أيار/ مايو 2019) التي أُعلنت كأول «كاتبة سوداء» تفوز بالجائزة منذ انطلاقها عام 1969، هي ثامن أعمال الكاتبة والناشطة البريطانية. تنوعّت أعمال إيفاريستو بين الرواية والشعر والمسرحية، كما أنها أمضت وقتاً طويلاً في النشاط النسوي المناهض للعنصرية، ومن بين محطاتها المهمة كان تأسيس «مسرح النساء السود» في بريطانيا. «فتاة، إمرأة وأخرى» رواية متعددة الأصوات، مكرّسة تماماً لقصص الأقليات، حيث نقرأ عن 12 امرأة بريطانية، معظمهنّ سوداوات البشرة، وبينهنّ المثلية والغيرية وتلك التي تقبع خارج الثنائية الجنسية. شخصيات إيفاريستو التي ترواح أعمارهن بين 19 و93 عاماً ويعشن كلّهن في بريطانيا، يجسّدن هموماً راهنة للأقليات حول العالم، خصوصاً في ظلّ تصاعد الخطاب المعادي لها مع تنامي شعبية التيارات اليمينية والشعبوية. في الرواية نقرأ عن آما، الكاتبة المسرحية الاشتراكية مثلية الجنس، مورغان التي تسعى إلى استكشاف هويتها الجندرية عبر الانترنت، شيرلي المدرّسة، وينسوم الزوجة غير السعيدة، وغيرهنّ. شخصيات الرواية صديقات وقريبات لبعضهنّ وأخريات المشترك بينهنّ زيارتهنّ إلى المسرح في الليلة نفسها فقط أو بينهن من يتناقشن عبر «تويتر». 12 امرأة يعشن، في مجتمعٍ بطريركي، تجارب محكومة ببنى ذكورية وعنصرية. إشكاليات عدة تغوص فيها رواية إيفاريستو: علاقة المرأة النسوية بالرجل الذي تحبّ، غضب النساء مقابل خطاب الجهل، تسليع النسوية وجعلها مادة تجارية، أسئلة السياسة والتلاعب، وغيرها. رواية إيفاريستو تأتي ضمن مشروعها الأكبر لكتابة المرأة السوداء عن نفسها، فإن لم تفعل ذلك لا أحد سيفعل، بحسب الكاتبة المنحدرة من أصل نيجيري. هي فكرة «اللا مرئية» إذاً، التي تثار دائماً عند الحديث عن التقاطعية. تقاطعية الجندر والعرق والطبقة أيضاً، فلعلّ النسويات أصبحن مسموعات أكثر في السنوات الأخيرة، إلا أننا نشهد مع ذلك تمييزاً ما بين نسويةٍ بيضاء، نسوية برجوازية من جهة، وبين نسوية المجموعات والطبقات الأخرى. تثير رواية إيفاريستو إشكالية الإمتياز في عالمٍ يضيق أكثر فأكثر، وتتناول النساء «اللامرئيات» والهويات المهمّشة، في بلدٍ يخوض سكانه أيضاً معركة ضد خطاب الانعزال والتقوقع.