تونس | حذّرت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والنقابة العامة للإعلام («الاتحاد العام التونسي للشغل» الذي يعدّ القوة النقابية الرئيسة) من خطورة الحملة التي تتعرض لها بعض وسائل الإعلام وبعض الإعلاميين على شبكات التواصل الاجتماعي التي دعت إلى «قتل وسحل» بعض الإعلاميين والمطالبة بإغلاق بعض المحطات الإذاعية والتلفزيونية، وخاصة قناة «الحوار التونسي» من قبل أنصار الرئيس الجديد للبلاد المنتخب حديثاً قيس سعيد. الحملة أعادت إلى الإذهان ما فعلته حركة «النهضة» وأنصارها وحليفها منصف المرزوقي في عام 2012 عندما تمت محاصرة مقر مؤسسة التلفزة التونسية لمدة أكثر من شهر بقيادة مستشار راشد الغنوشي والوزير لطفي زيتون (استقال أخيراً من مهامه في الحركة).
أنطونيو رودريغيز ـــ المكسيك

كما مُنع عدد من الإذاعيين والصحافيين من مزاولة مهامهم بتهمة الانتماء إلى النظام السابق. وفي السياق ذاته، أصدر منصف المرزوقي الرئيس المؤقت وقتها كتاباً أسود أدان فيه الصحافيين واعترف في ما بعد بأن ذلك كان خطأ كبيراً. أنصار قيس سعيد بدأوا حملتهم بتعنيف فريق قناة «الحوار التونسي» عندما كان بصدد تغطية احتفالهم بانتصار قيس سعيد مساء 13 تشرين الأول (أكتوبر). كما حاصروا إذاعة «المنستير» الرسمية (الساحل التونسي) رافعين شعار «ارحل« و«إعلام العار». أما على شبكة التواصل الاجتماعي، فقد تم تصوير الصحافي في قناة «الحوار التونسي» محمد بوغلاب على أنه حمار، وترويج صور لمية القصوري ولطفي العماري ومريم بلقاضي من فريق برنامج «تونس اليوم» على قناة «الحوار التونسي» التي سينظم أنصار قيس سعيد غداً السبت تجمعاً احتجاجياً، مطالبين بإقفالها!
هذه الهستيريا التي يعيشها أنصار قيس سعيد سببها الأساس أن «الحوار التونسي» تعتبر أن قيس سعيد مرشح غامض ومثير للأسئلة، فصعوده كان مفاجئاً والحزام المحيط به من سلفيين وفوضويين وإسلاميين ويساريين من أقصى اليسار يبعث على الخوف على استقرار الدولة ومؤسساتها والنظام الجمهوري، بخاصة أن قيس سعيد صرّح في الصيف الماضي بأنه يملك تصوراً جديداً للنظام السياسي مبنياً على الحكم المحلي. وأعلن أنه لا يؤمن لا بالأحزاب ولا بالجمعيات واختار لحملته شعاراً هلامياً هو «الشعب يريد». ورغم أن قيس سعيد تبرّأ من المتحدثين باسمه وأعلن أن لا أحد حتى الآن ناطق باسمه وليس له فريق إعلامي، إلا أن هذا البيان المقتضب الذي أصدره مساء الثلاثاء بعد اشتداد الحملة على الإعلام لم يُقنع الوسط الإعلامي، خاصة بعد إعلان عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى حركة «النهضة» الداعم الرئيس لقيس سعيد بأن «الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري» انتهى دورها، ولا بد من بديل لها. ما يعني ضمناً أنّ الحكومة الجديدة التي ستقودها «النهضة» والرئيس الجديد قيس سعيد سيعملان على إعادة الإعلام إلى بيت الطاعة!
هجوم على قناة «الحوار التونسي» لأنّها اعتبرت قيس سعيد مرشحاً غامضاً ومثيراً للأسئلة


وتتهم حركة «النهضة» الإعلام بأنه كان وراء فشل تجربتها الأولى في الحكم عامي 2012 و 2013 التي انتهت بخروجها في إطار ما عُرف وقتها بالحوار الوطني على أثر اعتصام الرحيل الذي استمر أمام البرلمان لمدة شهرين والتهمة نفسها يتبناها منصف المرزوقي الذي كان في آخر الترتيب في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها التي قادت قيس سعيد إلى الحكم. كل المؤشرات تؤكد على وجود خطر مُحدق بالمشهد الإعلامي الذي يعيش حرية غير مسبوقة منذ سقوط نظام بن علي ولم تنجح محاولات حركة «النهضة» لتركيعه وإعادته إلى بيت الطاعة. ويبدو أنها ستعيد المحاولة هذه المرة مستغلّة الحزام المحيط بقيس سعيد الذي يرفع شعار «أنتي سيستام»، معتبرةً أن الإعلام جزء من الدولة العميقة لنظام بورقيبة وبن علي، ولا بد من تفكيكه وصناعة إعلام بديل!