وفي اليوم الخامس للحراك الشعبي، تبدّت المشهدية الإعلامية أكثر، مع إعادة تموضع لبعض القنوات مقارنة بتغطياتها السابقة. بعد مرور أربعة أيام على احتشاد اللبنانيين في الساحات من شمال لبنان إلى جنوبه، خرجت مساء الأحد ــــ أي قبل ساعات قليلة من انتهاء مدة الـ 72 ساعة، التي وضعها سعد الحريري للحلول الاقتصادية الإنقاذية ــــــ مجموعة معطيات تشير بقوة إلى تغيّر في المشهدية السابقة، التي احتضنت هذه التظاهرات، بل أُجبرت على مواكبتها. الشرارة الأولى بدأت بعد خطاب أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، وشيطنة مضمونه عبر تصوير الحزب كمعارض لحركة الشارع. تجلّى التموضع أولاً في مقدمة نشرة «الجديد» المسائية، يوم السبت الماضي، مع فتحها النار على الخطاب، واستجلاب وليد جنبلاط ليردّ عليه في استهلالية النشرة.
(مروان بوحيدر)

«الجديد» التي كانت من بين أكثر القنوات متابعةً للحراك، وفاضحةً لكثير من كواليس التعاطي الأمني معه، انحرفت صباح الإثنين، وبدت أجندتها تتوضّح أكثر على الهواء، عبر منع أي صوت مناصر للحزب يخرج على شاشتها. في هذا الوقت، تكاثرت الرسائل والشائعات المتداولة على «واتساب» التي تحدثت عن تمويل مشبوه للحراك، ودفع أموال وتأمين لوجستيات في ساحات الاعتصام. هكذا، بدا الجمهور الموالي للحزب على أهبّة من أمره، تصله هذه الرسائل، من دون أن يتأكد من صحتها. وساعدت في ذلك، التغطية الإعلامية المصوّبة على الحزب. هكذا، شحنت النفوس، وتجلّت على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتقلت بعدها الى الأرض سيما في ساحتي «رياض الصلح»، و«الشهداء»، بشكل متقطّع، عبر مواجهات حدثت بين شبان يوالون «حركة أمل»، و«حزب الله»، من جهة وبين المحتجّين من جهة أخرى. لعلّ العين كانت أكثر على «الجديد»، إذ بدأت فيديوات صغيرة تنتشر عشية خطاب الحريري، تظهر بوضوح، التعتيم على الأصوات الرافضة لإدخال الحزب في أتون الفساد. كان واضحاً تحضير المحطة لمجموعة لقطات تسعى إلى تشتيت المشاهد، في حال خرج أحد المستصرحين ليكيل المديح إلى سيد المقاومة. أمس مثلاً، سجّلت أكثر من حادثة وأبرزها تغطية هادي الأمين من «النبطية» المنطقة التي تركز عليها ثقل التغطية للقناة هناك.

(مروان طحطح)

فقد عمدت إلى قطع البث بشكل مباشر، لدى خروج أحد المحتجّين وحديثه إيجابياً عن المقاومة. وفي ساحة «الشهداء» أيضاً، عمدت إلى قطع الصورة واستبدالها بلقطة أخرى من «جامع محمد الأمين». شتّتت المحطة الكلام، وتشتت معها جوهر الحراك، إذ رأينا مرات عدة، تركيزها على قصة حرق الأعلام الإسرائيلية والأميركية في النبطية مع استصراحات مصاحبة، تفيد بأننا «معك يا سيد ولكن...». هكذا، تحوّل المشهد الشعبي ومجموعة مطالبه وحقوقه، بفعل الأجندات الإعلامية إلى معادلة: الحراك مقابل حزب الله. مجموعة الشائعات المتداولة، حضرت بقوة على nbn، التي ركّزت في تغطيتها على لقطات بعيدة مأخوذة من طرق مفتوحة كأنها أرادت القول بأن البلاد تعيش بشكل طبيعي. في مواكبتها لتظاهرة الإثنين، شبّهت المحطة ما يحصل بما كان عليه في 14 آذار (مارس) 2005، وسألت عن التمويل، وأجندات الحراك، والموقف الأميركي ودعمه له. وبثّت تهويلاً حول مدى إمكانية انزلاق الحراك إلى ساحات مواجهة لما يخرج من الحراك من شعارات تتناول سلاح المقاومة. وبخصوص «المنار»، انتشر فيديو يظهر الإعلامية بتول أيوب، وهي تضحك لدى صعود أغنية «بيلا تشاو» على أثير محطة المقاومة، عندما فقد الاتصال مع المراسل في ساحة «رياض الصلح». كان مشهداً فريداً يحصل للمرة الأولى على شاشتها، وأحدث ردود فعل إيجابية حوله.

(مروان بوحيدر)

في النهار الطويل أمس، عادت otv إلى قواعدها، بعد جهد مارسته من ضبط للهواء ونقل التظاهرات في الأيام السابقة. تغطية القناة البرتقالية، عنوانها الرئيس: أبلسة الحراك، وتصوير أفراده على أنهم قطّاعو طرق يمارسون أعمال الميليشيات التي كانت سائدة في الحرب الأهلية عبر إقامة الحواجز، ويريدون إعادة البلاد إلى الوراء. المحطة التي قررت اختصار الحراك بزاوية صغيرة من «رياض الصلح» لتحجيم أرقام المشاركين، وأزالت لوغو المحطة عن ميكروفوناتها، لم يكن وضعها هيناً على الأرض، مع سلسلة الاعتداءات اللفظية والجسدية التي تعرّض لها فريقها الميداني. فقد سُجّل رمي مراسلتها جويل بو يونس بالمياه مع المصور المرافق في «ساحة الشهداء»، وانكفاء بعض المحتجين عن الإدلاء بآرائهم على الشاشة البرتقالية، وسط تصويب مباشر على المحتجين واتهامهم بأن مطالبهم باتت سياسية، وبأنهم يعمدون على الدوام إلى شتم رئيس الجمهورية ووزير الخارجية جبران باسيل. مراسلو المحطة المنتشرون على الأرض تحولوا إلى محققين للناس، يسألونهم عن أسباب نزولهم ويدافعون عن أي تعرّض لأقطاب «التيار الوطني الحر». المضايقات كانت أيضاً، من نصيب «الجديد» الذي طُرد فريقه من بلدة «المحمرة» (عكار) واتهامه بتحريض المتظاهرين على بعضهم.
على الـ mtv التي تتحدث عن «انتفاضة لبنان»، لا تزال العقلية الطبقية مهيمنة


وعلى الـ mtv التي تتحدث عن «انتفاضة لبنان»، لا تزال العقلية الطبقية مهيمنة، مع إسقاط للصور النمطية. تجلّى هذا الأمر قبلاً، بوصف متظاهري «الموتو» بأنهم من طبقة اجتماعية دنيا. وإن أخذنا طرابلس مثالاً، يمكن جلياً، تثبيت هذه العقلية من خلال الانبهار بالحشود التي تجمّعت في «ساحة النور» واستهجان كيفية ترداد المحتجين للأغاني التي يبثها منسق الموسيقى (DJ)! كأن هؤلاء يعيشون في كوكب آخر! إلى جانب حديث المحطة المتكرر عن منطقة «الذوق» التي تقدم «صورة حضارية» عن الاحتجاجات. قناة «المرّ» التي تتباهى بتغطيتها للحراك، كانت في المقابل، تصف المحتجين من طلاب جامعات ومواطنين عاديين بـ «قطّاع الطرق» وتذكر بما حدث في الحرب من نصب للحواجز وتوقيف على الهويات. ومع نزول الجمهور «القواتي» على الأرض، اخترقت متظاهرة الجموع في كسروان، ورفعت يافطة «سمير جعجع صهيوني» فقوبلت بقمع ومضايقات من قبل المحتجين. بقيت المرأة تصرخ على الهواء بصوتها وتعيد ترداد أسماء باقي الزعماء، من دون أن يردعها تجمهر هؤلاء حولها ومحاولة كتم صوتها. وهكذا انتصرت المحتجّة الغاضبة على غوغاء الشارع، وقالت كلمتها وكرّرتها على هواء mtv. أما «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، فقد جنحت نحو المنحى الاستعراضي.

(هيثم الموسوي)

في نشرة أخبارها المسائية أول من أمس، كنا أمام مقدمة طويلة نسبياً، تلتها ديما صادق بتأثر حتى إنّ عينيها اغرورقتا بالدموع، مع ارتدائها «تي شيرت» العلم اللبناني. أسقطت المقدمة ما حصل في 14 آذار 2005، من تظاهرة عقب اغتيال رفيق الحريري، على ما يحدث اليوم، مع «إسقاط الوصاية التي استمرت ثلاثين عاماً» وقتها. lbci رفعت القبّعة للمحتجين وقالت لهم بالفرنسية: Chapeau bas، وعلى الأرض واكبت الحراك الشعبي في المناطق مع تركيزها على وسط العاصمة، مع اختراق التغطية لبعض الإشكالات على الهواء نقلت ذروة الاحتقان الحاصل هناك، في ما خصّ الجمهور الحزبي وباقي المحتجين. وضاعت المسؤولية حول من نصب الشاشة العملاقة لنقل كلمة الحريري، فخرج بداية على شاشتها، كلام يتهم «الجديد» بنصبها. أما الأخيرة، فسوّقت بأن فريق الحريري سعى إلى نصبها هناك، لينتهي الأمر بفرض فكّها كلياً من الساحة.
باختصار، ومع تقدم أيام الاحتجاج، تسارعت الأجواء التي تسعى الى إحداث توتر في البلاد، وعادت القنوات الحزبية لتقفل على نفسها، وتؤبلس الحراك، مقابل أجندات مشبوهة على قنوات أخرى، سعت الى إحداث بلبلة في الشارع، وشحن النفوس، وحرف الحراك عن سكّته.