يقع فندق «البستان» (بيت مري ــ المتن الشمالي) في منطقة تنعم بالاستقرار بحكم بُعدها النسبي عن المناطق الحدودية وخارج بيروت والمدن الكبرى. لذا، استطاع هذه السنة، كما في السنوات السابقة، أن «يمرِّر» مهرجانه الفنّي من دون عوائق، رغم التوتر الأمني.
الدورة الحالية حملت عنوان «الموسيقى والطبيعة»، انطلقت منتصف الشهر الماضي وتستمر حتى 23 الجاري. لغاية الآن، أحيت مجموعة من الفنانين أمسيات الأسبوعين الأوّلين وشاركت في معظمها الأوركسترا السمفونية التابعة لدار الأوبرا في تبليسي (جورجيا). الأسبوع الثالث انطلق أمس، ويبدو أنه الأكثر إرضاءً لمحبي الأوبرا أو الغناء الكلاسيكي. إذ بدأ بأوبرا Le Rossignol (العندليب) للمؤلف الروسي إيغور سترافينسكي، تليها أوبرا La Finta Giadiniera (البستانية المزيّفة) لموزار (غداً) مع فرقة «هيليكون أوبرا» الروسية (راجع ملف «مهرجان البستان»، الأخبار 18/2/2014).

بعد غدٍ، يقدِّم مغنو الفرقة عملاً دينياً لتشايكوفسكي هو الـ Vespers أو الصلوات المسائية، بعدما كانوا قد قدّموا السنة الماضية في «البستان»، الصلوات ذاتها، لكن بتوقيع
رخمانينوف.
بعد ثلاث أمسيات للصوت البشري والكلمة، يختتم «البستان» أسبوعه الثالث بأمسية «صامتة» (الأحد المقبل)، تجمع أهم آلتين موسيقيّتين عرفهما الإنسان بعد صوته، وهما من صنعه: الكمان والبيانو. إنها الأمسية الأبرز في هذه الدورة لناحية مستوى المشاركين فيها، إذ يحييها اسمان مكرّسان عالمياً هما عازف البيانو التركي فازيل ساي (1970) وعازفة الكمان المولدافية باتريسيا كوباتشينسكايا (1977). سبق أن زار ساي لبنان ضمن «مهرجانات بيت الدين» (2004).
واليوم، يعود برفقة باتريسيا، زميلته في تسجيلٍ جمعهما (2008) وحوى أعمالاً للبيانو والكمان، منها السوناتة التاسعة لبيتهوفن التي تشكّل درّة برنامجهما المرتقب. للمؤلف الألماني 10 سوناتات من هذا النوع، اختار منها الثنائي الخامسة (المسماة «الربيع»)، تماشياً مع عنوان المهرجان، إلى جانب الثامنة والتاسعة (المسماة «إلى كروتزر»)، حاجزاً بذلك برنامجه لبيتهوفن دون سواه. تجدر الإشارة إلى أنّ لفازيل ساي تسجيلات كثيرة، بعضها حوى مؤلفات من توقيعه للبيانو المنفرد أو تدخل آلته الأساسية في تركيبتها. وكانت له لفتة إلى سوناتات البيانو لبيتهوفن، إذ أصدر أسطوانة قدَّم فيها رؤية مقبولة جداً لثلاثة من أشهرها (الأرقام 17، 21 و23). أما باتريسيا كوباتشينسكايا فرصيدها الديسكوغرافي لا يزال متواضعاً كماً، غير أنّ تسجيلاً ممتازاً لكونشرتو الكمان الوحيد لبيتهوفن لاقى ترحيب النقّاد ومنحها بطاقة مرور سريع إلى متابعي الإصدارات الكلاسيكية.
الأسبوع الرابع من «مهرجان البستان» ينطلق قوياً جداً ويتميّز بتنوّع فنّي يجعله الأكثر جذباً للأذواق المختلفة. في 11 الجاري، أمسية بيانو منفرد محصورة بريبرتوار المؤلف الرومنطيقي شوبان، يحييها الشاب الكندي من أصل بولوني، يان ليشيتسكي (1995). تليها أمسية لمحبي موسيقى ما قبل حقبة الباروك مع فرقة من برلين متخصّصة بمؤلفي ذاك الزمن (12/3).
في 13 آذار (مارس) تقدّم الجوقة الخاصة بالمهرجان أمسية غنائية، تليها أمسية تستحق الاهتمام لرباعي وتريات مرموق هو Leipzig Quartet (14/3). إنها بمثابة أمسية تكريمية لرمزَي الحقبة الكلاسيكية هادين وموزار، إذ تؤدي الفرقة رباعيات من توقيعهما، بالإضافة إلى عملٍ للروسي المغمور ألكسندر أفانسييف. من الموسيقى، ينتقل البرنامج إلى الرقص، ويختتم أسبوعه الرابع بعرض باليه لفرقةThe State Ballet of Georgia.

www.albustanfestival.com




يان ليشيتسكي

انتشر اسم هذا الموسيقي كالبرق بعدما وقّع معه أكبر ناشر موسيقى كلاسيكية في العالم، الألماني العريق «دويتشيه غراموفون»، العقد الذي نشير إليه دائماً على أنه حلم أي فنان كلاسيكي (عازفو البيانو، الكمان، التشيلّو، قادة الأوركسترا...). كان ذلك عام 2010، وقد أتى على أثر ضجةٍ أحدثها أداء يان المراهق (15 سنة!) لعملين برفقة أوركسترا لشوبان. عام 2012، أصدر ثاني تسجيل له وحوى عملين لموزار، تلاه السنة الماضية «تمارين» شوبان، المؤلف الذي يخصّص له أمسيته في «البستان»، لكن على البرنامج «المقدمات» الـ 24، ثلاثة فالسات، ثلاثة «نوكتورن» وغيرها...