مراكش | اللغة الهزلية التي تتمتع بها المخرجة الأسترالية الجديدة شانون مورفي في فيلمها «أسنان الحليب»، منحت طابعاً فكاهياً أسود لمأساة شخصيات فيلمها الأول. لغة أجادتها. حاورتنا بها على الطاولة المستديرة. روحها الخفيفة طاغية. تعتذر لأننا شاهدنا فيلمها الساعة الثامنة صباحاً: «إنه ليس فيلماً صباحياً» تقول. خالفناها الرأي لأنّ الديناميكية التي أجادتها والتي تدعم السرد، بهدف تقديم قصة ليست جديدة في السينما، كانت المؤشر الأول إلى نجاة فيلم موضوعه الرئيسي: مرض السرطان. عندما تقع ميلا (إليزا سكانلين) المراهقة المصابة بمرض السرطان في الحب، يبدأ الكابوس الأسوأ لوالديها. تلتقي ميلا بموزيس (توبي والاس) في محطة المترو. تاجر مخدرات متشرد، مع وشوم وخدوش على جسمه. لقاؤهما كان عفوياً كأنهما يعرفان بعضهما منذ دهر. ترى شيئاً مميزاً فيه، وتبدأ العلاقة. «ميلا... هذا الفتى يعاني من مشاكل!» تنهرها والدتها. «أنا أيضاً» تجيب ميلا. ما هو كارثة بالنسبة إلى الأهل، هو نعمة الفوضى في الحياة لميلا.بفيلم مقتبس عن مسرحية بالعنوان نفسه، تمكّنت مورفي وكاتبة السيناريو ريتا كالنجيس من تكوين لوحة فسيفسائية تفحص العالم الصغير لفتاة تكافح من أجل الحب والحياة وتصارع الموت. فسيفساء مصنوعة من الموسيقى والرقص والألوان، من صرخات الألم، والنكات الحادة، والأدوية... من تأرجح مستمر بين الأمل والعجز. قصة عائلة مفككة كل منها يصارع ذاته، والكل يصارع مرض الفتاة. عائلة مختلة وظيفياً.
الفيلم كان كعملية محفوفة بالمخاطر، بخاصة أن القصة ليست جديدة. لكن مورفي أجادت تقديمها بطريقة غير مألوفة من دون أن تنزلق إلى الحساسية المفرطة، أو أن يكون فيلمها مثيراً للشفقة. يركز «أسنان الحليب» على الرومانسية في الحب ضد الطبيعة، ضد العائلة البرجوازية، ضد صراع الأجيال. موزيس هو عذر ميلا لمعانقة التمرّد، للتوقف عن كونها فتاة طبقية كما يتوقعها العالم. موزيس هو نقيضها. يتسلل لسرقة الطعام، والحبوب المخدرة لوالدها الطبيب النفسي. هو بعيد عن والدته. رائحته كريهة. تحارب به ميلا نفسها وتحارب به مرضها.
سمحت شانون لنفسها بالحرية في التعبير، وسرد قصة أشخاص يعبرون عن مرضهم، فرحهم، حزنهم، بطريقة غير تقليدية، خارج المألوف والمخططات. لهذا السبب، قدمت المخرجة شخصياتها بطريقة غامضة، متجنبةً التصنيف. كوميديا تراجيدية لا تترك مكاناً للحكم على الأبطال بل ترحّب بهم، بينما هم يتعثرون ويكافحون بين النور والظلام الذي يتقدم مع فصول الفيلم الكثيرة (الفيلم مقسم إلى فصول بعناوين مختلفة).
هذا ليس فيلماً بسيطاً عن المرض، ولا قصة حب في سن المراهقة. بل تتكثف فيه المواضيع. هو عن الأمومة، الأبوية، الطبقية، عن قصة الشعر التي لا ترضي الأهل، عن الشعر المستعار، عن الزوج والزوجة، والجيران، والذين يكافحون من أول حب. قصة بعيدة عن الممل والحشد العاطفي. شانون لم تترك دموعنا تنهمر، ولكننا أحسسنا بها في عيوننا. لم تبتزنا، أعطتنا صورة عن الحياة التي ستنتهي يطريقة نابضة بالموسيقى والرقص والألوان الزاهية.