منذ عام 2005، يواظب جورج خبّاز على الخروج على الجمهور سنوياً بعمل مسرحي جديد من صلب الواقع، لا يخلو بطبيعة الحال من النقد والموسيقى والغناء. وعلى الرغم من الظروف المتردّية في البلاد اليوم على المستويات كافة، لا سيّما الاقتصادية منها، يبدو الفنان اللبناني أكثر إصراراً من أيّ وقت مضى على عدم تغيير عادته، لأنّه مؤمن باستمرارية الحياة ومتمسّك بإرادة صلبة للعيش والتغلّب على الصعاب.بعد غدٍ الخميس، يُطلق خبّاز عملاً جديداً بعنوان «يوميات مسرحجي» من «الشاتو تريانو» (الزلقا ــ قضاء المتن). «أنا مقتنع بضرورة الإقدام على هذه الخطة لنبقى على قيد الحياة، بالمعنى المادي والمعنوي...» يقول في اتصال مع «الأخبار». ويضيف: «أنا مدمن على المسرح... إنّه الملاذ، والأداة التي تمكنّني من تنفيس الاحتقان في داخلي، وطريقي إلى التعبير... كلّ ما أحتاج إليه موجود في هذا المكان ولا أستطيع أن أفقده». على صعيد آخر، «إنّه عملي الذي أعتاش منه، إلى جانب فريق مؤلف من 36 شخصاً، بين ممثلين وفنيين وموظفي صالة... لدى هؤلاء أسر والتزامات لا يمكنهم التخلّي عنها». في هذا السياق، يتابع جورج مؤكّداً أنّ «المسرح بالنسبة لي هو ثورة، لا بل هو المحرّض الأكبر على الثورات والانتفاضات ولو بشكل تراكمي أو غير مباشر أحياناً».
حين نسأله عمّا إذا كان قلقاً من ضعف الإقبال أو النتيجة التي سيحقّقها هذا العمل، يسارع خبّاز إلى الإجابة: «على الإطلاق. أنا سعيد بأنّ الانطلاقة صارت قريبة، وفخور بما نفعل على أمل أن يشكّل الأمر دافعاً للزملاء الذين يملكون أعمالاً فنية جاهزة ويواصلون تأجيلها بسبب الأوضاع».
عدم قدرة الناس على شراء البطاقات، ليست هاجساً بالنسبة له أيضاً لأنّ الأسعار «دائماً مدروسة ولا تتجاوز 50 ألف ليرة لبنانية. أرى أنّها مناسبة لمختلف الميزانيات، كذلك لديّ ثقة كبيرة بالجمهور اللبناني وإرادته الكبيرة للعيش». هنا، يستدرك جورج خبّاز، قائلاً: «نحن شعب اعتاد الصعاب، ولطالما ظلّ المسرح والفن حيّاً حتى في أحلك الظروف. أولى المسرحيات التي أنتجتها وُلدت في السنة التي اغتيل فيها رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، فيما أفرجت عن الثانية في السنة التي شهدت حرب تموز، والثالثة بعد انتهاء معارك نهر البارد شمالاً... استمرّينا وها نحن لا نزال هنا... جلّ همي أن أصعد على المسرح وأقول للناس إنّنا نريد العيش». الظروف الراهنة لم تدفع جورج إلى إجراء تعديلات على النص، لأنّه لا يريد لها أن تبدو وكأنّها أُسقطت بالمظلّة على «يوميات مسرحجي». في هذا السياق تحديداً، يشدّد صاحب مسرحية «إلا إذا...» على أنّ «ما يُقال اليوم في الشارع، سبق أن قلته وعبّرت عنه في مسرحياتي بطرق مختلفة». بالانتقال إلى المسرحية الجديدة، فهي مختلفة تماماً عن كلّ الأعمال التي حملت توقيعه في السنوات الماضية: «تنتمي إلى نوع وأسلوب آخر من العمل... مقاربة جديدة للمواضيع، ونوعية مختلفة من الكوميديا».
يدور العمل حول شخص يعمل في مسرح شُيّد في الخمسينيات ويستعيد ذكرياته. في إطار كوميدي ممزوج ببعض التهكّم والسخرية، تعكس «يوميات مسرحجي» مراحل عدّة من التاريخ اللبناني، بما أنّ المسرح هو «مرآة للمجتمع». تمرّ الأحداث على مروحة واسعة من الأنواع المسرحية والشخصيات، قبل أن نصل في النهاية وضمن سياق الأحداث إلى تكريم لكبار المسرحيين الذين أسهموا في تأسيس المحترف المسرحي اللبناني بمختلف أشكاله، أمثال منير أبو دبس، وريمون جبارة، ويعقوب الشدراوي، وأنطوان ولطيفة ملتقى، وعصام محفوظ، وبيرج فازيليان، وشوشو، ومحمد شامل، ومنصور وعاصي الرحباني، وصباح، وسلوى القطريب...
إحياء لذاكرة المسرح اللبناني من خلال تكريم عدد من روّاده


قائمة الممثلين تعدّ ثابتة، وتشمل: لورا خبّاز، ومي سحاب، وسينتيا كرم، وغسان عطية، جوزيف قصاف، وجوزيف ساسين، ووسيم التوم، وجوزيف سلامة، وعمر ميقاتي، وبطرس فرح، وروميو الهاشم، وكريستيل فغالي، وتوفيق الحجل، وروجيه بركات، وفادي أبو جودة. بالإضافة إلى الوجهَين الجديدين إيف شلالا وعامر فياض، «إيماناً منّي بأهمية مساندة المواهب الشابة».
كما جرت العادة، حصة الموسيقى والغناء وافرة؛ أربع مقطوعات موسيقية، وأربع أغنيات تولّى جورج كتابتها وتلحينها، فيما وقعت مهمّة التوزيع على عاتق شارل شلالا. من دون أن ننسى حضور الرقص طبعاً.
بعد 16 عاماً والإنتاج المسرحي الخاص و25 عاماً من العمل في هذا المجال، قرّر جورج خبّاز من خلال هذه التجربة «تجديد علاقتي بالخشبة في وقت قد يظن المرء أنّه بات غارقاً في التكنيك». ثم يوضح أنّ القصة بدأت بكتابة مونولوج يتناول الأسباب التي تدفعه للعمل في المسرح، انطلق منه لاحقاً لإنجاز «يوميات مسرحجي» التي يعتقد أنّها محاولة لـ «تجديد علاقة الناس بالمسرح أيضاً، وتأكيد لضرورة وجود مسرح اليوم، خصوصاً في الظروف الراهنة التي تعيشها البلدان العربية عموماً». في محاولة لشرح هذه الفكرة، يختم جورج خبّاز حديثه مع «الأخبار» بمقطع من المونولوج: «بعمل مسرح لأطلع كل يوم على المسرح/ متل الراكض على المراية ليتأكّد إنّو بعدو هون»!

* «يوميات مسرحجي»: من الأربعاء إلى السبت ــ الساعة الثامنة والنصف مساءً/ والأحد عرضان في تمام الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر والثامنة والنصف مساءً ــ مسرح «الشاتو تريانو» (الزلقا ــ قضاء المتن). للاستعلام: 04/722245 أو 03/249842