عودة إيفو بوغوريليتش


عدد الإصدارات الجديدة في مجال الموسيقى الكلاسيكية كبير جداً. لكن الحدث هذه السنة هو عودة أسطورة البيانو، الصربي إيفو بوغوريليتش، إلى الاستوديو بعد غياب ربع قرن. فالرجل الذي اعتكف عن إصدار تسجيلات جديدة بعيد وفاة زوجته وأستاذته وملهمته، عاد ليصنع الحدث بتسجيل لسوناتتَين غير شهيرتَين لبيتهوفن (رقم 22 و24) والسوناتة الثانية لرخمانينوف. «بوغو» (كما يسميه السمّيعة) انتقل من الناشر الألماني «دويتشيه غراموفون» (سجّل معه 14 ديسكاً) إلى «سوني»، ولاقت عودته ترحيباً كبيراً من الجمهور والنقاد الذين اختلفوا حول مقاربته هذه الأعمال، لكنّهم لم يختلفوا على أنّ هذا الإصدار هو ضرورة لكل مكتبة موسيقية، بفعل قيمته المعنوية الكبيرة… ولأنّه «بوغو».

جاز مع أحمد جمال


في عالم الجاز، الحدث في السنتين الأخيرتين هو كمية التسجيلات المكتشفة لأساطير راحلة (جون كولتريان، بيل إيفنز، مايلز دايفس…). على أهميتها، يضاف إليها نوعان من الجديد في الجاز: نجوم هذه الموسيقى الحاليون ورموزها الحية. اخترنا التسجيل الجديد لعازف البيانو العتيق أحمد جمال الذي يضع كل خبرته وعصارة السنين والنضج في النوع الأكثر تطلباً لهذه العناصر، المقطوعات الهادئة أو الـ Ballades (الكتابة الفرنسية) التي أعطت اسمها للإصدار الذي يحمل توقيع جمال تأليفاً وعزفاً منفرداً على البيانو (باستثناء ثلاث محطات بمرافقة عازف الكونترباص جايمس كاماك).

«الوحشة» تشيتشيليا بارتولي


حالما يصدر جديد للميزو ــ سوبرانو الإيطالية «الوحشة»، تشيتشيليا بارتولي، تسرق صاحبته الأضواء. فكيف إن ظهرت على الغلاف ملتحية؟ في السنوات الأخيرة، لم تعد المغنية الشهيرة مهتمة بالأعمال الأوبرالية الكاملة بقدر ما تهتم بالمقتطفات الأوبرالية ذات الهوية الموحّدة أو ذات الموضوع الجامع. منذ ألبومها الخاص بفيفالدي (من الأكثر مبيعاً في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية)، وهي تقوم بأبحاث في تاريخ الغناء الغربي وتخرج منه جواهر أو أعمالاً عادية تصبح جواهر بصوتها. ها هي اليوم تصدح بصوت الـ «كاستراتو» (المخصيّ) وتؤدي الأعمال التي كُتِبَت لأصوات رجال حُرموا من «البلوغ» الطبيعي للإبقاء على نقاوة الصوت الطفولي، في واحدة من أبشع الممارسات اللاإنسانية في تاريخ الفن. أشهر هؤلاء الإيطالي فارينيلّي (عنوان الألبوم) الذي تستعيد بارتولي الأغاني التي أداها قبل أكثر من قرنين. كالعادة، معجزات تقنية بالعشرات من توقيع بارتولي في هذا الألبوم… والتحية منها لفارينيلّي وأمثاله ممن ظُلموا بهذه الوحشية من أجل متعة بضعة أرستقراطيين وملوك.

مسيرة «تريو جبران»


بعد غياب سبع سنوات منذ ألبومهم الأخير «سفارة» (2013)، أصدر «تريو جبران» ألبوم The long march أو «المسيرة الطويلة» هذه السنة. العمل الذي اعتبر من قبل النقاد ولادة موسيقية للفرقة الفلسطينية، يتضمّن تسع مقطوعات وأغنيات استلهمت عناوينها وجذورها من قصيدة محمود درويش «خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة أمام الرجل الأبيض». بالإضافة إلى التنويع الموسيقى، والانفتاح على آلات (إيقاع، كيبورد، تشيلو...) وأنماط مختلفة مثل الموسيقى الالكترونية والأوركسترا والموسيقى الغربيّة، تعامل الإخوة مع المغني الإيراني محمد معتمدي الذي يؤدي كلمات من التراث الصوفي الفارسي في أغنية The Long March، ومع فنان الروك رودجر ووترز المعروف بمناصرته ودعمه للقضيّة الفلسطينية، تحديداً في أغنية Carry the Earth. انطلاقاً من حادثة الأطفال الفلسطينيين الذين استشهدوا على شاطئ غزّة قبل سنوات، كتب ووترز كلمات الأغنية وأداها بالإنكليزية على موسيقى الإخوة جبران. أما قصائد محمود درويش، فتعدّ مرجعاً أساسياً لهذا الألبوم، كما أنّ صوت درويش يخرج برفقة بعض المقطوعات الموسيقية في الأسطوانة.

إبراهيم معلوف في الصندوق الأحمر


وضع إبراهيم معلوف تجربته الحيّة في العزف على المسارح العالمية ضمن صندوق أحمر يحمل عنوان 10 ans de live يتوّج هذا الصندوق حوالي عقد كامل من إحياء الحفلات الحية في أميركا وأوروبا ولبنان وبلدان أخرى. أراد عازف الترومبيت اللبناني أن يحتفظ بذكرياته مع جمهوره، فأصدر هذه العلبة التي توثّق للحظات استثنائية على المسرح الذي اعتلاه للمرّة الأولى في فضاء New Morning في باريس. إذ تحوي خمسة أقراص DVD لفيديوات يعزف فيها مقطوعاته عزفاً حياً في مدن عدّة، بالإضافة إلى أسطوانتين لأفضل التسجيلات صوتاً وصورة، إلى جانب 10 بطاقات بريدية طبعت عليها لقطات لمعلوف على المسرح، ولبورتريهاته، وصور تجمعه بفرقته الموسيقيّة. Package Items - 8

رونو يدخل عالم الطفولة


رونو سيشان، أو رونو، كما هو معروف في الأوساط الفنية، هو من أكبر رموز الأغنية الفرنسية الجادة والهادفة الأحياء اليوم. الموسيقي والمغني اليساري المخضرم اختار عالم الأطفال ليطلق جديده قبل بضعة أسابيع بعنوان Les mômes et les enfants d’abord. إنه عمل عن «عالم الطفولة أكثر مما هو ألبوم للأطفال» كما وصفه صاحبه. لكن، مهما كان محتواه، يبقى هدية أساسية لعشاق الأغنية الفرنسية غير الاستهلاكية. تحوي الأسطوانة 12 أغنية جديدة من كتابة وتلحين وأداء رونو، وتتناول مواضيع عدة لها علاقة بعالم الطفولة والمدرسة والصداقات الأولى… أما رسم الغلاف، فيحمل توقيع Zep، الرسام الشهير وصاحب سلسلة Titeuf.

الحياة اليومية


الأغلبية الساحقة من الشباب بات يستهلك الموسيقى من خلال منصات البث والنشر الخاصة بالموسيقى أو ما يعرف بالـ «ستريمينغ» (الذي بات له كامل العدة التقنية الصوتية لنتيجة مقبولة جداً حتى في الأنماط المتطلبة صوتياً، كالكلاسيك). لكن تبقى قلة مهتمة بالديسكات، والناشرون لم يتخلّوا عن هذه الوسيلة لنشر الموسيقى. من بين أهم الإصدارات في هذا الإطار جديد فرقة البوب ــ روك البريطانية Coldplay الذي حمل عنواناً مترجماً على الغلاف إلى العربية! إنّه Everyday Life أو «الحياة اليومية» الذي يتألف من جزءين: الأوّل بعنوان Sunrise (الشروق)، والثاني بعنوان Sunset (الغروب)، ويضم 16 أغنية موزّعة مناصفةً بين جزءيه. لا مجال للخوض بما يحويه العمل الذي صدر رسمياً الشهر الماضي، لكن جميع هواة النوع سيتهافتون عليه لما للفرقة من جمهور واسع حول العالم.

ريم بنّا... «صوت المقاومة»


خسرت ريم بنا (1996 ــ 2018) معركتها مع السرطان قبل أيام من صدور ألبومها الأخير «صوت المقاومة» العام الماضي. رغم تجربتها الموسيقية الطويلة، فإنّ «صوت المقاومة» يعدّ عملاً استثنائياً، لأنّه يختصر سنوات ريم الأخيرة في صراعها مع المرض الذي تفشّى في جسدها ونال من أوتارها الصوتيّة. الألبوم بأكمله يعدّ تحديّاً ومقاومة لمعاناتها من خلال الموسيقى والصوت. الصوت نفسه الذي غنى وقاوم الاحتلال الاسرائيلي. يضمّ الألبوم 15 أغنية، منها «لغة الصمت»، و«وردة في المعركة»، و«موسيقاتلة»، و«هذا صوتي»، و«الوتر الأخير»، و«غنائي يصدح في المساحات»، وأغنيات أخرى غنّتها ريم بصوتها، وأدّت فيها بعض القصائد التي كتبت كلماتها بنفسها وقد سجّلتها بين رام الله وأوسلو، فيما سجّلت المقطوعة الأخيرة «مريم» على هاتفها. أما موسيقى الألبوم، فتعتمد على صور الأشعة الطبيّة التي حوّلتها فرقة Checkpoint 30 الكندية إلى صور موسيقية وصوتية إلكترونية وعلى الغيتار، برفقة عازف البيانو بوغي ويسيلتوفت. ظلّت ريم تقاوم حتى الرمق الأخير، بعد تجربة موسيقية وغنائية طويلة تضمّنت ألبومات عدّة، أبرزها: «جفرا» (1985)، «دموعك يا أمي» (1986)، «الحلم» (1993)، «قمر أبو ليلة» (1995)، «مكاغاة» (1996)، «وحدها بتبقى القدس» (2001)، «مرايا الروح» (2005) و«مواسم البنفسج» (2007).

بلبل بيروت


الأغنية العربية الاستهلاكية لا تهمّنا. أو بالأحرى يهمّنا عدم الترويج لها. بالتالي، يبقى الخيار محصوراً في النتاج المحلي والعربي، بين الأعمال الجادة أو الكلاسيكية أو الشبابية الجديدة. الأخيرة باتت تنشر على المنصات الخاصة بالموسيقى على الإنترنت، وقلة قليلة تطبع على أقراص. بالتالي، يبقى لنا الجاد والكلاسيكي (أو الطربي المعاد نشره حديثاً).
نبدأ من الكلاسيك الشرقي الذي باتت له وجهة شبه وحيدة هي «مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية» (AMAR). بعد إصدارات عدّة جمعت فيها أندر تسجيلات أعلام الطرب والموسيقى من بداية القرن الماضي، أمثال سلامة حجازي وسامي الشوّا وعبد الحي حلمي ويوسف المنيلاوي وغيرهم، أضافت المؤسسة إلى كاتالوغها هذه السنة علبة من ثلاثة ديسكات، لـ «بلبل بيروت»، المطرب وعازف البُزق (أو الطنبور) محيي الدين بعيون، الملقّب أيضاً بـ «الطنبوري». هذه الهدية (الأخبار 12/6/2019) الأنيقة والثمينة تصلح للجيل القديم الذي يستعيد من خلالها ذكريات صوتية عتيقة، وللجيل الجديد الذي يكتشف من خلالها تاريخه الفني.

رامي خليفة... Lost


… أما في مجال التجارب الموسيقية الجادة، فالإصدارات قليلة هذه السنة، لأسباب عدّة من بينها الأوضاع الاقتصادية التي لم تتردَّ في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي كما يعتقد بعضهم، بل شكّل هذا التاريخ أملاً بتحسينها أو بمحاسبة مسبّبيها. بالتالي، التريّث في الإقدام على مشاريع جديدة هو شعور سابق، وأثّر كثيراً على النتاج الفني في لبنان. من بين الأعمال التي سلكت طريقها إلى النشر، ألبومٌ جديد للمؤلف الموسيقي وعازف البيانو اللبناني، رامي خليفة (1981)، الذي جمع في Lost باقة من المقطوعات الموسيقية التي تتداخل فيها الموسيقى العضوية بالإلكترونية، بأسلوب حديث انسحب بدوره على شكل المحطات المغناة في هذا الألبوم الذي تناولناه أيضاً بالتفصيل لمن يود التعمّق (الأخبار 21/11/2019).