الرباط | يبدو أن الرحيل هو الحدث الأبرز الذي شهدته الحياة الثقافية والفنية في المغرب خلال سنة 2019، فقد غادرتنا وجوه من أهل السينما والدراما مثل الفنانين أمينة رشيد، وعزيز موهوب، والمحجوب الراجي، وأحمد أزناك، وعبد الله العمراني ومحمد خدي. أما الشعراء فقد رحل منهم محمد لقاح، وعبد السلام بوحجر، ولطفي أقلعي ومحسن أخريف الذي مات بصعقة كهربائية من المايكروفون الذي كان يمسك به وهو يشرف على نشاط ثقافي في الشمال. إضافة إلى هؤلاء غاب المغنيان حسن ميكري ومحمد اللوز والمؤرخ زكي مبارك والباحثة ثريا لهي والناقد عبد اللطيف الزكري والسيناريست عماد الدين الغندور والأديب محمد جبران والروائي ميلودي حمدوشي رائد الرواية البوليسية في المغرب. في المقابل، عرفت الأيّام الأخيرة افتتاح أنشطة «الرابطة المغربية للصحافة الثقافية»، وهي هيئة ثقافية وإعلامية جديدة تُعدّ الأولى من نوعها في البلاد، هدفها رد الاعتبار إلى الصحافة الثقافية والدفاع عن حضور الثقافة وتعميق مكانتها في الإعلام الوطني. في نشاط الرابطة الذي عُقد خلال الشهر الحالي، تم تكريم وجوه ثقافيّة وصحافية مثل المفكر محمد سبيلا، والإعلاميين اسمهان عمور، وسعيد عاهد، وفاطمة التواتي. تمثّلت أبرز مفاجآت العام بعودة الفنانة الكبيرة عزيزة جلال إلى الغناء، فبعد ظهورها في برنامج تلفزيوني وهي تغني مقاطع من روائعها المشهورة، أعلنت الجهة المنظمة لمهرجان «شتاء طنطورة» في السعودية أن عزيزة جلال ستشارك في دورتها الحالية مع نهاية السنة. ومن الأحداث الثقافية التي رافقها جدل كبير كان مشاركة بعض التشكيليين المغاربة في «بينالي القدس المحتلة»، ما أثار استنكار الفنانين والجمعيات والنقابات، إذ أصدرت كل من «الجمعية المغربية للفنون التشكيلية» و«النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين» بياناً أدانتا فيه هذه المشاركة معتبرتين إياها مبادرة فردية لا تمثّل التوجه العام للشعب المغربي المناصر للقضية الفلسطينية. وإن كانت السنة الحالية قد عرفت توقف «اتحاد كتاب المغرب» عن نشاطاته بسبب المشاكل والاضطرابات التي تعانيها هذه الهيئة الثقافية العريقة، فإن «بيت الشعر» في المقابل استمر في تنظيم فعّالياته بوتيرة ثابتة، عبر احتفائه مع بداية العام بالشاعر وديع سعادة الفائز بـ «جائزة الأركَانة»، وإعلانه نهاية العام عن الفائز الجديد وهو الأميركي تشارلز سيميك، إضافة إلى تنظيم تظاهرات وندوات وتقديم كتب جديدة معظمها ترجمات ودراسات شعريّة.
خلال العام شهدنا احتجاجات للمسرحيين المغاربة في أكثر من مناسبة على الوزارة الوصية سواء في نسختها القديمة، أم المعدّلة. فقد أصدرت «النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية»، مطلع الشهر الحالي، بياناً استنكرت فيه ما أسمته «استهتار وزارة الثقافة بالمسرح والمسرحيين» منتقدة سياسة الدعم والمماطلة في أداء المتعلقات المادية للفنانين، منبّهة إلى خطورة الاستثمار الأجنبي على حساب الإنتاجات المحلية. وإن كانت هذه النداءات موجّهة إلى وزير الثقافة الجديد الحسن عبيابة الذي تم تعيينه أخيراً، فقد سبقها في العام نفسه نداء آخر كان موجّهاً إلى الوزير السابق محمد الأعرج يحتجّ فيه أهل الخشبة على ضآلة الدعم، وفتح أبواب الريع. وليست النقابة هي الجهة الوحيدة التي احتجّت على الوزارة، فقد وجّهت «الفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة» رسالة إلى وزير الثقافة تتهم فيها هذه الجهة الرسمية بالتنصل من دعم المسرحيين المغاربة خلال جولاتهم الفنية خارج البلاد.
الرقابة طاولت المشهد الفني والموسيقي تحديداً، فعقب صدور أغنية الراب «عاش الشعب» التي تنتقد السياسات العامة للدولة، راجت أخبار بأن الجهات المسؤولة قرّرت إلغاء كل حفلات الراب في مختلف مدن المملكة، وهذا ما لم ينفه وزير الثقافة الجديد حين طُرح عليه هذا السؤال في أحد المؤتمرات الصحافية، حيث أكد أن الفن وسيلة للفرجة والتعبير، لا لشيء آخر، مصرّحاً بأن «أي تصرف خارج القانون يجب أن يقابله فعل المحاسبة».
في سياق آخر، عرفت السنة احتفاءً خاصاً بعالمة الاجتماع المغربية الراحلة فاطمة المرنيسي (1940 – 2015)، عبر تخصيص كرسي استثنائي لها في الجامعة الوطنية للمكسيك التي تعدّ أكبر جامعات أميركا اللاتينية. أما عربياً فقد احتفت بيروت بالمرنيسي من خلال مبادرة «المجلس العربي للعلوم الاجتماعية» الذي أطلق سلسلة من المحاضرات التي تكرمها وتحتفي بأعمالها. ولم ينسَ المغرب مثقفته الكبيرة، حيث احتفى بها قبل شهرين خلال المعرض المغاربي للكتاب عبر فعّالية عُقدت حول الجانب النضالي في فكرها، فضلاً عن تقديم كتاب جماعي عنها شارك فيه 30 باحثاً وباحثة. يُشار أيضاً إلى أن ثمة في المغرب مدرسة ثانوية ومقهى ثقافياً يحملان اسمها.
حافظت التظاهرات الثقافية الكبرى في البلاد على مواعيدها، بدءاً من «المعرض الدولي للكتاب»، مروراً بــ «مهرجان موسيقى كَناوة» و«منتدى أصيلة» و«مهرجان سينما المرأة»، وصولاً إلى «المهرجان الدولي للفيلم بمراكش» الذي اختُتمت فعّالياته أخيراً. اللافت هذه السنة هو انتقال الأدب إلى ملاعب كرة القدم، وخصوصاً مع مشجّعي الفرق الأساسية. يمكن التوقف هنا عند فريق «الرجاء» البيضاوي الذي صار يرفع شعارات جماعية مطوّلة هي عبارة عن قصائد شعرية منها ما ينتقد الحياة السياسية والوضع الاجتماعي والاقتصادي في المغرب، ومنها ما يناصر القضية الفلسطينية. ويقدّم مشجعو «الرجاء» لوحات استعراضية على المدرّجات (تيفو) مستوحاة من عالم الأدب، كان آخرها لوحة 101 التي تعود بالمتابعين إلى رواية جورج أورويل «1984»، وإلى زنزانة التعذيب التي تحمل الرقم ذاته في الرواية، وهي إشارة رأى كثيرون أنها تشير إلى تردّي الوضع السياسي والاجتماعي في المغرب.
رفع «الرجاويون» أيضاً «تيفوهات» أخرى ذات أصول أدبية وثقافية، أحدها مستقى من مسرحية «المغنية الصلعاء» ليوجين يونسكو، وآخر من رواية «البرتقالة الميكانيكية» للكاتب أنطوني بورغيس التي تناقش مسألة الحريات الفردية.