لولا الانتفاضة ليلة 17 تشرين الأوّل (أكتوبر)، لكان البرنامج الثقافي السنوي في بيروت واصل فعّالياته بشكل اعتيادي ككلّ سنة، مع فارق في أسماء العروض والفنانين. قد يطالعنا حدث ثقافي استثنائي بين حين وآخر ليكسر المواعيد السنوية في بيروت. نقول بيروت، لأن الحديث عن مشهد ثقافي في لبنان يبقى فضفاضاً أمام بعض المواعيد الفردية المعدودة في الجنوب والشمال. أكثر ما هزّ المشهد الثقافي هذه السنة، هو الترهيب الديني الذي لم يعد يخفى أنه بات جزءاً من أدوات الحكم على الأعمال الفنية. إلغاء حفلة «مشروع ليلى» في «مهرجانات بيبلوس» ليس إلا حادثة واحدة، لكنها كانت كافية لإثارة الخوف على الحريات الفنية والفردية في لبنان، وخصوصاً بعدما فشلت الدولة ووزارة الثقافة (التزمت الصمت) في حماية الفرقة والجمهور من التهديدات التي تلقوها من بعض المتطرّفين دينياً. مقابل ذلك، أكّد فنانون وموسيقيون أن: «صوت الموسيقى أعلى» في حفلة تضامنية مع الفرقة في «ذا بالاس». كأنما تلك الليلة كانت إعلاناً قدّمه الفنانون مسبقاً، للالتحاق بالانتفاضة في تحدّ للسلطات المفروضة على الفن من قبل المؤسسات الدينية والمصارف والمؤسسات الخارجية والداخلية التي تُلزم الفنانين بشروطها. قد تخلّف الانتفاضة تأثيراً ملموساً على الفنون لاحقاً، إلا أن الأمر يحتاج إلى وقت لرؤية تجارب جديّة تتجاوز «استغلال» الأحداث. في الانتفاضة، ثمّة طابع فني عفوي رافقها منذ انطلاقتها: دخل الموسيقيون إلى المصارف، وقدّمت بعض الفرق حفلاتها في الساحات التي تبدّلت ملامحها تماماً بفضل رسومات الغرافيتي والشعارات. وقد دلّت التظاهرات في ساحة رياض الصلح المحتجين إلى «التياترو الكبير» الذي لا يزال مغلقاً منذ نهاية الحرب، أخيراً علت أصوات تطالب بإعادة افتتاحه. تلك الموجة الفنية ظلّت بمعظمها خارج جدران المؤسسات. أقفل عدد منها أبوابه وتأجّلت مواعيد مثل الدورة الثامنة من «أشغال داخلية»، وعروض الأفلام في «متروبوليس أمبير صوفيل».
أدب
كان مكتوباً للموسم الثقافي ألا يكتمل. الانتفاضة ألغت عدداً من المواعيد الأساسية التي ننتظرها آخر السنة مثل «معرض بيروت الدولي للكتاب»، و«معرض الكتاب الفرنكفوني». غياب هذين المعرضين كشف ضعف حضور الكتاب وهشاشة المشهد الأدبي اللبناني عموماً الذي لا يتجاوز «المهرجان اللبناني للكتاب» (أنطلياس) ولقاءات تقيمها بعض النوادي الأدبية والمكتبات مع الروائيين والشعراء مثل «جمعية السبيل»، و«مكتبة الحلبي»، وبعض المقاهي. الحدث الأدبي المحلي/ العربي الأبرز تمثّل بفوز الروائية اللبنانية هدى بركات بجائزة «بوكر» عن روايتها «بريد الليل». بدوره، وصل جبور الدويهي إلى القائمة الطويلة من «بوكر» في الدورة الحالية عن روايته الجديدة «ملك الهند». كنا على موعد مع الشاعر اللبناني عباس بيضون ومجموعته الجديدة «الحداد لا يحمل تاجاً» (الساقي)، فيما صدرت رواية «خطأ غير مقصود» للروائي رشيد الضعيف. ومع غياب معرض الكتاب عن بيروت هذه السنة، لم تعلن دور النشر عن إصداراتها الجديدة حتى الآن، إذ اعتادت في السنوات الفائتة على إطلاق إصداراتها ضمن هذا الحدث. رفاق الشاعر اللبناني محمد العبدالله احتفلوا بذكراه الثالثة في بيروت، وأصدرت «دار الرافدين» المجموعة الشعرية الكاملة للشاعر اللبناني بسام حجّار في ذكراه العاشرة. «دار راية للنشر» في فلسطين نشرت المجموعة الشعرية الكاملة لوديع سعادة الذي نال «جائزة الأركانة» من «بيت الشعر» في المغرب. الشاعر السوري أدونيس حلّ ضيفاً على لبنان، مكرّماً هذه المرّة في «الجامعة الأنطونية». أنجزت الناقدة السورية خالدة سعيد «فضاءات: يوتوبيا المدينة المثقفة II» الذي ستصدره «دار الساقي» قريباً. المؤرّخ الراحل كمال الصليبي عاد في مقالته «الجماعة والدولة والأمّة في المشرق العربي» التي عرّبها محمود شريح (دار نلسن)، فيما استحضرت «دار التنوير» المفكّر اللبناني موسى وهبة من خلال مؤلّفه «كتاب النثر». بدأت السنة برحيل الكاتبة مي منسى، واختتمت بمحاولة لاستعادة موقع بيروت الشعري من خلال إطلاق العدد الأوّل من نشرة «نيزك» الشعرية من قبل بعض الشعراء والشاعرات الشباب.

فنون بصريّة
المحترف التشكيلي خسر اثنين من أبرز روّاد حداثته هما هوغيت كالان وأمين الباشا، وودّع الفنان علي شمس. الفن الحديث عموماً، كانت له حصّة وافرة من أنشطة الغاليريهات، إذ احتفت بيروت بأبرز وجوه المحترف المحلي الحديث مثل سيتا مانوكيان التي عادت بعد غياب طويل بمناسبة إطلاق كتاب عن تجربتها الفنية في «متحف سرسق». كذلك حلّ اسم حسين ماضي مراراً في احتفاء بتجربته ضمن «بيروت آرت فير»، كما تعرّفنا إلى مرحلة عمله في إيطاليا في مؤلّف جديد، وأقيم معرض في «غاليري مارك هاشم» لأحدث لوحاته. رأينا أيضاً آخر أعمال محمد الروّاس في «غاليري صالح بركات» التي استقبلت معرضاً استعادياً للفنانة عفاف زريق. وكما كل سنة توزّعت المعارض التشكيلية على غاليريهات العاصمة، أبرزها «غاليري أجيال» التي احتضنت معارض «مائيات» لأسامة بعلبكي، و«فصول الهجرة اللامتناهية» لجنان مكي باشو، ولريما أميوني، وللنحات العراقي معتصم الكبيسي. احتلّ الأرشيف المشهد البصري في معارض مثل «أرشيف الخلود» في «متحف سرسق» ضمّ كنوزاً فنية وأثرية ووثائق عمرانية وانثروبولوجية وتاريخية عن مدينة بعلبك، وفي «كيف تعاود الظهور: من بين أوراق النشر المستقل» في «مركز بيروت للفن»، كما عرض عبودي أبو جودة ملصقات أفلام من أرشيفه الهائل في معرض «لصّ بغداد» في «دار النمر». بيروت كانت على موعدها الأوّل مع معرض للمعلّم الإسباني بيكاسو في «متحف سرسق» الذي يستمرّ حتى بداية العام المقبل. استقبل المتحف أيضاً الدورة 33 من «معرض الخريف» حيث منح جائزته الأولى للمصوّرة اللبنانية لارا تابت التي قدّمت معرضها الفوتوغرافي الفردي الأوّل في «غاليري جانين ربيز». غاليريهات «ليتيسيا» و«صالح بركات» و«تانيت»، و«مركز مينا»، و«آرت لاب»، و«غاليري مرفأ» و«دار النمر» و«جانين ربيز» استقبلت معارض متعدّدة الوسائط للإيراني فرهاد أهرارنيا وحاتم إمام، وللمصوّر اللبناني فؤاد الخوري والفلسطينيين تيسير البطنيجي وعبد الرحمن قطناني، وسمعان خوام وفادي الشمعة، ولور غريب ومازن كرباج، واللبنانية باولا يعقوب وتمارا السامرّائي والعراقي عادل عابدين الذي شارك أيضاً ضمن أسبوع «عراقيات» في «دار النمر». دعا الأسبوع الثقافي تجارب سينمائية وأدبية وفنية من العراق، معظمها من المقيمين في المنفى من بينهم سنان أنطون وضياء العزّاوي. الفنان اللبناني لورنس أبو حمدان نال جائزة «تيرنر» البريطانية مناصفة مع ثلاثة فنانين آخرين، و حصدت «جمعية السمندل» جائزة «الشرائط البديلة المصورة» في فرنسا. وقد حُرِم الفنان اللبناني وليد رعد من جائزة «نيلي زاكس» الألمانية بسبب دعمه للقضية الفلسطينية. كنا أمام حدثين استثنائيين في مجال الصورة هما: إطلاق الدورة الأولى من «مهرجان بيروت للصورة»، فيما أطلقت «المؤسسة العربية للصورة» منصّتها الرقميّة التي تحوي أرشيفاً ضخماً. كانت للفن الفلسطيني حصّة عابرة للحدود في «دار النمر» ضمن معرض «هموم الهوية» لفيرا تماري وسليمان منصور وآخرين، بالإضافة إلى لقاء مع الفنان والكاتب الفلسطيني كمال بلاطة قبل رحيله في برلين.

سينما
خسرنا مطلع العام جوسلين صعب بعد رحلة توثيقية وروائية طويلة، وغادرنا جورج نصر الذي اكتشف الجمهور اللبناني باكورته «إلى أين؟» السنة الماضية. مقابل فوضى الأفلام المحليّة التجارية في الصالات، باتت آخر الفسحات المستقلّة لسينيفيليي بيروت مهدّدة. نقصد «سينما متروبوليس أمبير صوفيل» التي أعلنت عن حملات دعم عدّة بسبب أزمة ماليّة، مع أنها حافظت منذ بداية السنة على مواعيدها الأساسيّة فاستقبلت مهرجان «شاشات الواقع»، والدورة 25 من «مهرجان السينما الأوروبية»، و«أسبوع النقاد» من «مهرجان كان»، و«مهرجان الفيلم البرازيلي»، و«أسبوع الفيلم الألماني»، و الدورة العاشرة لـ «أيام بيروت السينمائية» و«مهرجان السينما الإيبيرو _ أميركية».
أهم الإنتاجات اللبنانية كان الشريط الروائي الأوّل لأحمد غصين «جدار الصوت» الذي أثار جدلاً، قبل أن يحقّق حضوراً لافتاً في «مهرجان البندقية» حاصداً ثلاث جوائز في «أسبوع النقاد» هي: «الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد»، و«جائزة الجمهور» و«جائزة التميّز التقني». وثائقي «بيروت المحطة الأخيرة» لإيلي كمال حصد جائزة «أفضل فيلم غير روائي» في «مهرجان القاهرة». المخرج غسّان سلهب أنجز فيلماً عن المناضلة روزا لوكسومبورغ بعنوان «وردة»، بينما تعرّف الجمهور اللبناني إلى رائعة غسان حلواني التوثيقية «طرس...» بعدما جال على مهرجانات خارجية. لم تقتصر العروض والاستعادات السينمائية على «متروبوليس»، فقد توزّعت على النوادي والمقاهي وفضاءات أخرى. استضافت «دار النمر» لأسابيع أفلام ميشيل خليفي وجان شمعون وداود عبد السيد، وكنا على موعد مع الدورة 18 من «مهرجان بيروت الدولي للسينما»، والدورة العاشرة من «مهرجان كابريوليه للأفلام القصيرة»، والنسخة الخامسة من «مهرجان الأفلام الفنية الوثائقية»، والدورة الأولى من «مهرجان سينما الفؤاد».

فنون مشهدية
بعد سنوات قضاها بعيداً عن الخشبة وشاشة السينما، غادرنا الممثّل اللبناني رفيق نجم بهدوء. خسرت الخشبة أيضاً الممثلة والأستاذة في الجامعة اللبنانية سهام ناصر التي تخرّج من صفوفها معظم الممثلين والمسرحيين الشباب العاملين في بيروت. المشهد المسرحي توزّع على «مسرح المدينة»، و «مسرح مونو»، و«استديو زقاق»، و«مسرح أبراج» و«شغل بيت»، و«مترو المدينة» بينما انتقلت العروض إلى «مسرح إشبيلية» في صيدا، و«المسرح الوطني» في صور الذي استضاف مهرجانات مسرحية وأطلق المهرجان الأوّل للرقص المعاصر في المدينة الجنوبية. أضيف إلى «مهرجان بيروت للرقص المعاصر» الذي أقيمت دورته الـ 13 في «سيتيرن بيروت». استمرّ الفضاء الجديد في استقبال عروض مشهدية ومواعيد ثقافية قبل أن يعلن إغلاق أبوابه. عموماً، لا يزال حضور الرقص المعاصر خفيفاً خارج «بايبود»، فقد اقتصرت هذه السنة على بضعة عروض أبرزها «ليل» لعلي شحرور، و«لا يتضمّنه دماء» لبترا سرحال، و«المسافة الأخيرة» لألكسندر بوليكيفيتش ولين هاشم.
خسر الفن السابع المخرجين جوسلين صعب وجورج نصر


نظرة على مسرحيات السنة، تُظهر شحّاً في الكتابة المحليّة، إذ يعتمد معظمها على نصوص واستعادات غربية أمام محاولات هنا وهناك. ربّما مسرحيّة «المعلّقتان» التي كتبها حسن مخزوم وأخرجتها لينا عسيران، تعدّ الأبرز في هذا المجال، حيث تمكّن من كتاب نصّ عبثي محلّي مكتمل. لينا أبيض اقتبست نص مسرحيتها «1975 – 1990» عن رواية «مدرسة الحرب» لاسكندر نجار، عوض عوض أخرج «رسالة إلى آن فرانك» عن نص لسمية شمالي، فيما قدّمت «فرقة زقاق» مسرحيّتها «أميال غالية» التي كتبت نصّها مايا زبيب عن رحلة فتاة تمرّ على مآسي العالم العربي. شاهدنا مسرحية «مختبر إخفاء السر» لفرقة «منوال»، و«مش من زمان» الذي أعاد نضال الأشقر إلى الخشبة بعد غياب. هناك أيضاً «كل الحق عليي» لميرا صيداوي، و«وهم» لكارلوس شاهين، و«الوحش» لجاك مارون التي شاركت في «أيام قرطاج المسرحيّة»، و«46» لكميل سلامة، و«لا طلب ولا عرض» لسحر عساف». أما التجربة المحليّة الأكثر نضجاً فكانت مسرحية «يا ويلي النهاية» لهاشم عدنان،الذي جمع عدّة مسرحيات لصاموئيل بيكيت بترجمة استثنائية لـ«ديك الجن».
العروض الأجنبية شاهدناها في الدورة الثانية لــ «مهرجان المسرح الأوروبي»، وفي «نحنا والقمر والجيران» في «بيت الفنان» (حمانا) الذي استقبل عروضاً طوال السنة، وأقيمت الدورة الثامنة من «مشكال» في «مسرح المدينة».

موسيقى
باستثناء حفلات المهرجانات الصيفيّة التي لم تبلغ المتوقّع هذه السنة، استضافت فضاءات العاصمة أمسيات موسيقيّة مثل «مترو المدينة» الذي نظّم برنامجاً خاصاً بالانتفاضة بعنوان «ليالي الثورة». وطوال العام، ظل المترو يوازن بين الاستعادات الغنائية في عروض كـ «فرانكو آراب» و«شارع عماد الدين»، وبين تجارب فرق محليّة مثل «الراحل الكبير».
في العاصمة، زارتنا المطربة المصرية غادة رجب، والسورية لينا شماميان، والجزائرية سعاد ماسي، وفرقة Tindersticks و The Hot 8 Brass Band في «ميوزكهول»، فيما شهدت بيروت مناسبات سنوية مثل «اليوم العالمي للجاز» والدورة الـ 19 من «إرتجال»، وشهدنا إطلاق أوّل مهرجان لموسيقى الراب بعنوان Beirut Scum Week. الراب تحديداً لم يغب عن مشهد الانتفاضة إذ أطلق «الراس» والدرويش وبوناصر الطفار وجعفر الطفار أغنيات على وسائل التواصل.
في المهرجانات الصيفية شاهدنا ميلودي غاردو في «بعلبك»، وأمسية مزدوجة لعبد الرحمن الباشا وبيلي عيدي في «بيت الدين»، وأندريا بوتشيلي في «الأرز»، وزياد الرحباني في «أعياد بيروت» و«جزين»، وQueen Symphonic في «بيبلوس»…
من ناحية ثانية، أقامت «الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانيّة» بعض أمسيات الموسيقى الكلاسيكية الغربية. الكلاسيك حضر أيضاً في «مهرجان البستان»، و«بيروت ترنّم»، فيما ألغي «موسيقات بعبدات» بسبب الأحداث الأخيرة. على صعيد الإصدارات الموسيقية، يُعدّ ألبوم Music From The Films of Randa Chahal Sabbagh لزياد الرحباني من الأعمال التي انتظرها الجمهور لسنوات. يضمّ 22 مقطوعة موسيقية أنجزها لفيلمَي المخرجة الراحلة رندا الشهال «متحضّرات» (1998) و«طيارة من ورق» (2003). أطلقت «مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية» إصداراً مميزاً هو «الطنبوري محيي الدين بعيون — بلبل بيروت» يحوي تسجيلات أحد أبرز أسماء الموسيقى الشرقية في النصف الأوّل من القرن العشرين. صدر «في الطريق» ليولا خليفة، و«أرض الغجر» لجاهدة وهبة، وLost لرامي خليفة. وبعد غياب عقدين، أقام زياد الرحباني جولته الأوروبية بعنوان «تحيّة إلى جو سامبل» من خلال حفلات في لندن وروتردام وبروكسل وبرلين وباريس.