لا نكشف سرّاً إذا قلنا إنّ حياة ميغان ماركل مع العائلة المالكة في بريطانيا ليست وردية. منذ أن قرّرت الممثلة الأميركية تغيير حياتها وحمل لقب دوقة ساسكس بزواجها من الأمير هاري في 2018، أصبحت هدفاً للميديا وروّاد مواقع التواصل الاجتماعي. صحيح أنّها معتادة على الشهرة و«تطفّل» وسائل الإعلام، غير أنّ ما طالها من «قسوة» منذ ارتباطها رسمياً بحفيد الملكة إليزابيث الثانية تخطّى التوقعات في كثير من الأحيان.لكن أخيراً، طفح الكيل. في خطوة شكّلت مفاجأة للرأي العام وأربكت قصر باكنغهام، أعلن هاري وميغان، يوم الأربعاء الماضي، أنّهما قرّرا التخلّي عن مهامهما الملكية الرئيسة، على أن يمضيا وقتاً أطول في أميركا الشمالية، ويعملا من أجل «الاستقلال المادي» وإنشاء مؤسّسة خيرية جديدة. جاء ذلك بعد عام مضطرب شهد مواجهة مع وسائل الإعلام وخلافاً مع شقيق هاري الأكبر، الأمير وليام.

عقد الثنائي قرانهما في أيار (مايو) 2018

وفيما لا تزال المحاولات مستمرّة في صفوف العائلة المالكة لـ «احتواء وتدارك» تبعات هذه الخطوة «المخيّبة للآمال»، انتشرت مقالات تؤكّد أنّ السبب الأساسي الذي دفع باتّجاه حسم هذا القرار هو «العنصرية» التي لم ترحم الفنانة البالغة 38 عاماً منذ اليوم الأوّل. فهي مولودة لأم من أصول أفريقية، وأب من المستوطنين الأوروبيين. جاء ذلك بعدما وصفت صحف ومواقع إخبارية ما فعله الثنائي بأنّه «أناني» و«سوء فظيع في التقدير والحكم»...
لكن ماذا لو أولت وسائل الإعلام اهتماماً أكبر بالمجتمعات الملوّنة في بريطانيا؟ ألن تجد ربّما إعلان ميغان وهاري أقل إثارة للدهشة، لا سيّما في ظلّ وجود رئيس وزراء جديد (بوريس جونسون) لديه سجلّ حافل بتصريحات عنصرية علنية، بعضها قد يدفع حتى وجنتي دونالد ترامب إلى الاحمرار؟ هذا ما أكدته أفوا هيرش في مقال رأي نشرته أخيراً في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية. صاحبة كتاب «بريت (يش): عن العرق والهوية والانتماء»، لفتت أيضاً إلى مشروع خروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبي المرتبط بـ «القومية الأصلية» والرغبة في «تخليص البلاد من أعداد كبيرة من المهاجرين»، فضلاً عن «حنين إمبراطوري كبير».
بدءاً من أوّل مانشيت عن كونها صاحبة حمض نووي «إكزوتيك»، مروراً بوصف «آرتشي»، ابنها الوحيد من «هاري»، بأنّه يشبه الـ «شيمبانزي»، وصولاً إلى اقتراح مثير للسخرية يفيد بأنّ استهلاك ميغان للأفوكادو مرتبط بـ «القتل الجماعي» (!)، ومن ثم تصوير كتاب الطبخ الخيري الخاص بها على أنّه يساعد الإرهابيين بطريقة أو بأخرى... هذه عيّنة بسيطة ممّا قيل عن ماركل في الميديا المحلّية، ودفع بها وبهاري إلى اتّخاذ إجراء قانوني ضدّ صحيفة «ذا ميل أون صنداي»، ومن ثم مقاضاة ناشري صحيفتَيْ «صن» و«ديلي ميرور» بسبب ادّعاءات باختراق هاتف الأمير السادس في ترتيب ولاية العرش، ليصعّدا بذلك معركتهما ضدّ صحف التابلويد.
تعليقاً على الحدث الذي قسم البريطانيين، أكّد المرشّح لقيادة حزب العمّال المعارض، كلايف لويس، أنّ نظرة سريعة على حجم العنصرية التي لحقت بميغان ماركل من قِبل الإعلام البريطاني كفيلة بإثبات أنّه «من الصعب أن يكون المرء جزءاً من العائلة المالكة». وفي حديث ضمن «نيوزنايت» على «بي. بي. سي 2»، قالت المغنية جامليا إنّ «كلّ كلمة تُستخدم ضدّ ميغان غارقة في العنصرية»، فيما رأى الروائي السير فيليب بولمان أنّ بريطانيا «دولة كريهة»، مضيفاً على تويتر: «بالطبع ميغان ماركل تتعرّض للهجوم من قِبل الصحافة لأنّها من أصول أفريقية». على خطٍّ موازٍ، نشرت «هافينغتون بوست» مقالاً بعنوان «لماذا يعتقد السود أنّ العنصرية دفعت ميغان وهاري إلى ترك العائلة الملكية»، حاولت فيه شرح الموضوع.
أولئك الذين يزعمون أنّ التصويب على ميغان لا يتعلّق بعرقها، يجدون صعوبة في شرح محاولات ربطها بأشكال من الجرائم العنصرية، كالإرهاب ونشاط العصابات، بالإضافة إلى حقيقة أنّها تعرّضت للهجوم الأكثر عنفاً بسبب ممارسات جذبت الثناء عندما فعلها أفراد آخرون في العائلة المالكة. أتذكرون إدانة وسائل الإعلام البريطانية لها حين حلّت ضيفة على رئاسة تحرير عدد من النسخ البريطانية من مجلة «فوغ»، في تناقض صارخ مع ما حدث حين ترأس الأمير تشارلز تحرير مجلة Country Life مرّتين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى هاري في أحد برامج «هيئة الإذاعة البريطانية»، ودوقة كامبريدج كيت في «هافينغتون بوست».
اقتراح مثير للسخرية يفيد بأنّ استهلاك ميغان للأفوكادو مرتبط بـ «القتل الجماعي»


هنا، تشدّد أفوا هيرش على أنّه «في المجتمع البريطاني الطبقي والجامد، لا يزال هناك ارتباط عميق بين الامتيازات والعرق... إذ غالباً ما يتم إخبار الأشخاص الملونين (القلائل) الذين يبرزون إلى الواجهة ويحقّقون نجاحات لا ترقى للشك بأنّهم يجب أن يكونوا «ممتنّين»، أو تُطلب منهم المغادرة إذا كان لا يعجبهم ذلك». ببساطة شديدة، لا يزال الدور الأساسي لإرث تاريخ الإمبراطورية البريطانية المبنية على التفوّق الأبيض حاضراً اليوم: دورها الرائد في تجارة الرقيق وأيديولوجيات العنصرية التي مكنتها، وسياسات تجنيد أشخاص من الكاريبي وأفريقيا للعمل بأجور منخفضة ثم التمييز ضدهم في التعليم والسكن، ناهيك بـ «فضيحة» الترحيل غير الشرعي لبريطانيين سود في السنوات الأخيرة... من دون أن ننسى أنّ العائلة المالكة بحدّ ذاتها جزء لا يتجزّأ من هذه المنظومة، لا بل هي صاحبة إرث يعجّ بالممارسات التمييزية والطبقية.
طريقة التعامل مع ميغان ماركل أثبتت ما يعرفه كثيرون ضمناً: بغض النظر عن خصالك الحميدة أو إنجازاتك أو الأعمال الصالحة التي تسهم بها في المجتمع... العنصرية لن ترحمك أبداً!