خيّبت الراهبات السوريات آمال جزء من الجماهير المؤيدة للنظام السوري. هؤلاء كانوا ينتظرون منهن مكاشفة جريئة لما حصل معهن، ويميطون من خلالها اللثام عن أسرار المعارضة ووحشيتها وعدائها للأديان الأخرى والإنسانية عموماً. لكن الصدمة كانت كبيرة عندما تحدّثت كبيرة الراهبات بيلاجيا سياف (الصورة)، في أول تصريح إعلامي، عن معاملة حسنة تلقوها، وخصوصاً من «جبهة النصرة» في القلمون، قبل أن تشكر الرئيس السوري بشار الأسد والمدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، من دون أن تسقط الوسيط القطري من القائمة.
هكذا، صبّ بعض المتعصبين في تأييدهم للنظام السوري جام غضبهم على الراهبات عبر تعلقياتهم على فايسبوك. تعليقات تمنوا فيها لو أن الراهبات المحرّرات بقين في «عهدة «النصرة» وداعمتها قطر». لكن المفارقة كانت في تنبه «جبهة النصرة» وسائر المعارضات السورية المسلحة إلى العمل وفق منطق التأثير على الرأي العام، وتلميع صورتها التي وصلت إلى الحضيض بعد ممارساتها الوحشية. وفق هذه المعادلة، قرّرت الجبهة استغلال قضية الراهبات، وعملت على توثيق عملية التبادل منذ لحظاتها الأولى بالصوت والصورة، وسارعت إلى بث الشريط على يوتيوب. لكن قناة lbci سبقتها وسرّبته أول من أمس.
في الشريط، نستمع إلى صوت شاب سوري يسأل الراهبات عن حالهن، فيأتي الرد كشهادة يعتريها بعض التصنع والمبالغة في التحدّث عن سلوك الخاطفين وأسلوب التعامل «الراقي» الذي اعتمدوه مع الراهبات و«حرصهم» على سلامتهن. بعدها، جاءت دعوات الراهبات بـ«التوفيق والحماية وحسن الخاتمة» لخاطفيهم. من جهته، أعرب الشاب عن سعادته بالتعرف إلى الراهبات، واعداً بـ«استمرار التواصل»، وطالباً منهن «إبلاغ السلام لأهالي الشام». وفيما تقصّد المصوّر ملاحقة أحد عناصر «الجبهة» وهو يحمل راهبة لا تقوى على المشي ويوصلها إلى السيارة، استمر رصد الحديث أثناء السير. ولدى الوصول إلى نقطة التبادل، حمّلت كبيرة الراهبات في رسالتها الأخيرة المسلحين سلاماً حاراً لـ«أبو مالك»، وهو على الأغلب «أبو مالك التلة»، ممثل أمير «جبهة النصرة» في القلمون. لكن مهلاً، التشويق لم يبدأ بعد. بطريقة تتخطى الأفلام السينمائية، يتقدّم عناصر أمن لبنانيون ينفذون التبادل بقبضات محكمة على أسلحتهم الحديثة وخطوات مشوبة بالحذر الشديد، يصطحبون نساءً وأطفالاً من عائلات المسلحين بعد إطلاق سراحهم من قبل النظام. وبينما يحاول أحد رجال الأمن الاقتراب من المرأة التي في صحبته تفادياً لغدر الطرف الآخر، يعلو صوت أحد عناصر «الجبهة» مهدداً: «إبعد إيدك عنها ولاك. إبعد إيدك عن المرة». في النهاية، تحصل الصفقة، فيصرخ أحد المسلحين «سليمان خوذ أختك»، قبل أن تهنئ الراهبات تلك النسوة بالسلامة، وثم تعلو أصوات التكبير من جانب المعارضة، ويبتعد عناصر الأمن اللبناني عن المكان بسرعة ومعهم الراهبات.