رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب، بل في وعي الناس. جملة قالها جان جاك روسو منذ زمن طويل، لكن صداها يتردد اليوم في الشام... كأن أهلها ــ من دون تخطيط مسبق ــ رفعوا شعار «الأمل لا يصمت»!الانتخابات في سوريا خلال مشوار طويل كانت تشبه المزحة التي يتندّر عليها الغالبية، ولو سراً، لكن الأمر يختلف اليوم، عندما يتعلّق الموضوع بانتخابات النقابات. ربما لا يصدق أحد أن النقابات في بلاد أكلت الحرب حصّة يسيرة من روحها، كانت وما زالت فاعلة، ويمكن أن تنجز نسبة كبيرة من الهدف الذي تأسّست من أجله في ما يخص رفع المظلومية عن المنتسبين إليها وتحصينهم بحقوق صحية ومواكبتهم عندما يبلغون سن التقاعد. لكن الأمر مرتبط بشخصية النقيب ومجلسه ورغبتهم الحقيقية في العمل أو السعي وراء مناصب وتحويل المسؤولية إلى ذراع بطش وقمع وإقصاء. نقابة الفنانين السوريين مؤسسة عريقة وغنية تملك استثمارات مهمة وتجني ضرائب كبيرة من شركات الإنتاج، وكل العاملين في الفن من غير النقابيين ومن الملاهي الليلية. سبق أن تعاقبت على النقابة أسماء مكرسة لتشغل منصب النقيب، من بينها صباح فخري ودريد لحّام وأسعد فضّة... لكن الختام كان «مسكاً» في المرحلة السابقة، عندما توّلى زهير رمضان منصب النقيب، فإذا به يحيل المبنى إلى ما يشبه الثكنة بحرس على الباب وكاميرات مراقبة، ويجهز على الخيط الواصل بين الفنان ونقابته، ومن ثم يبدأ حملة فصل واسعة بحجة عدم سداد الرسوم، علماً بأن القوانين الناظمة لعمل النقابة تبيح تجميد العضوية وليس فصل المنتسب في حال تأخر عن الدفع، خصوصاً أنّ عدداً كبيراً من نجوم سوريا يقيمون اليوم خارجها! هكذا فصل «مختار البيسة» كلاً من جورج وسوف، وتيم حسن وباسل خيّاط، وأتبعهم بأصالة نصري وجمال سليمان ومكسيم خليل وآخرين. على أيّ حال، انطلقت قبل أيّام حملة إعلامية واسعة أسّست لحالة جماهيرية وشعبية واسعة، وحوّلت انتخابات نقابة الفنانين إلى قضية رأي عام، وراحت الصفحات السورية تنصّب النجم فادي صبيح نقيباً، معتبرة أنّه الأحق والأكثر ثقة وشعبية بين زملائه. واللافت أن عدداً كبيراً من الفنانين شارك في هذه الحملة بينهم: كاريس بشار، وباسم ياخور، ومحمد حداقي، وخالد القيش، وكفاح الخوص، وبيدرو برصوميان، والمخرجان رشا شربتجي والليث حجو وأحمد إبراهيم أحمد ومحمد عبد العزيز وزهير قنوع، والكتاب ديانا جبور ونور شيشكلي وعثمان جحى، والإعلاميان أمجد طعمة وإنصاف سليطين، وعدد كبير من الفنيين ومديري الإنتاج. إلى جانب عدم معرفة العامة بتفاصيل الانتخابات، جعلت الحملة بعض الصفحات المتابَعة تنشر خبراً زائفاً عن تولي صبيح منصب النقيب، فيما راحت صفحات أخرى تنسب له تصريحات كاذبة. وبينما كانت الإذاعات السورية الخاصة والمنابر الإلكترونية تتسابق على عقد حلقات نارية تحكي عن الفساد الحاصل في مبنى النقابة وتناقش أبرز المرشحين في خططهم، كان الإعلام الرسمي غائباً تماماً، كأن الحالة تجري في بلد آخر. عموماً، لا تعرف غالبية المتابعين آلية الانتخابات التي تجري على مراحل، ولفئتين: الأولى مجلس الفرع، أي مجلس النقابة لكل فرع، ولا يجوز لأعضائه الترشّح إلى المجلس المركزي، وأعضاء مؤتمر متمّمون يحق لهم الترشّح إلى المجلس المركزي. وتتم الانتخابات أوّلاً في المحافظات على مستوى الفروع، ومن ثم يعقد مؤتمر للناجحين من كل المحافظات، وينتخب 11 عضواً هم أعضاء مجلس النقابة الجديد الذين ينتخبون من بينهم نقيباً. حتى الآن، انتهت الانتخابات في ثلاثة فروع هي دمشق وفاز فيها أعضاء مجلس فرع: تماضر غانم، سيمون خوري، تيسير علي، منذر فارس، أحمد الحلبي. وأعضاء مؤتمر متممون: عارف الطويل، محمد قنوع، تولاي هارون، رباب كنعان، سحر فوزي، سامر السمّان، بسام حسن، علي القاسم، ماجد شيخ الأرض. أما في ريف دمشق، فقد ربح مجلس الفرع: سامر حوشان، سامر جبر، محمد هنود، رياض خوري، محمد زغلول وأعضاء مؤتمر متممون: فادي صبيح، مثنى علي، نزيه أسعد، حسام الدين بريمو، سعد محسن، مأمون الفرخ، ميرفت رافع، أسامة سلطان، موفق الدهبي.
مؤسسة عريقة وغنية تملك استثمارات مهمة وتجني ضرائب كبيرة من شركات الإنتاج، وكل العاملين في الفن من غير النقابيين ومن الملاهي الليلية


«الأخبار» تواصلت مع أبرز المرشحين الذي حصدوا النجاح الأوّل في فروعهم، وعلى رأسهم النجم فادي صبيح الذي قال: «لم يكن متاحاً لنا رؤية الحالة المتردية التي بلغتها النقابة ونبقى متفرّجين. على مستوى شخصي، أعتبر هذا المكان مسؤولية كبيرة لتحصيل حقوق الزملاء، ويفترض بي أن أتصدى لها وأتعهّد بإنجاز ولو جزء يسير منها ضمن الظروف الصعبة التي نعيشها». من جهته، أشاد النجم محمد قنوع بالسوية التي سارت عليها الانتخابات والنتائج الطيبة التي تحققت في فرع دمشق وريفها، واعتبر أن المرحلة المقبلة ليست للكلام والتصريحات الإعلامية، بل يفترض أن يشوبها الصمت إلى حين انتهاء الانتخابات وبدء مرحلة العمل للناجحين.
من ناحيتها، صرّحت النجمة تولاي هارون لـ«الأخبار»: «لا يمكن للمهتم إخفاء سعادته نتيجة الإقبال الواضح على هذه الانتخابات، ويبدو أن الترويج الإعلامي الهائل قوّى الحالة وأوضح الهدف منها. ولأكون صريحة، لست ساعية إلى منصب محدد، لكن يتعلق الأمر بالرغبة في التغيير ومنح فرصة لوجوه جديدة عساها تصنع التغيير». أما النجمة رباب كنعان، فقد اختارت في حديثها معنا أن ترّد على كل الاتهامات المسبقة التي توجه إلى المرشحين بأن الهم هو كسب أكبر قدر معين من فرص العمل بذريعة المنصب، قائلةً: «لو كنت أحمل ملفاً دبلوماسياً مهماً أو مشروعاً اقتصادياً ضخماً ويجب السفر به إلى الصين، هل يتم منعي خوفاً من الإصابة بالفيروس المنتشر هناك اليوم! ربما تكون مناعتي قوية أو أخذت لقاحاً معيناً أو هناك إجراءات وقائية مهمة لا تمنعني من إيصال رسالتي وتحقيق مشروعي. وفق هذا المنطق، لا بد من تجريب الوجوه الجديدة ومنحها فرصتها لطرح مشروعها».



زهير رمضان يتحدّى القانون
تحدد القوانين الناظمة لعمل نقابة الفنانين أنه يمكن تأسيس فرع للنقابة في حال ضمّ 35 عضواً يمثلهم أعضاء مجلس فرع، وأعضاء متممون في الانتخابات. وفي حال انخفض العدد عن هذا الرقم، يغلق الفرع ويتم إلحاقه بأقرب فرع ممكن. ضمن هذه القوانين، يقوم فرع نقابة الفنانين في المنطقة الشرقية بمخالفة صريحة للقانون، لأن عدد أعضائه لا يتجاوز 13، ويمثلهم 5 أعضاء في المؤتمر. وقد رفض النقيب الحالي زهير رمضان حلّ الفرع وإلحاقه بفرع حلب بسبب الفائدة العائدة من هذا الفرع واستقلاليته المالية. عدد من الفنانين السوريين، على رأسهم عضو مجلس الشعب عارف الطويل، تقدّموا بكتاب رسمي إلى وزارة الثقافة يفضح هذا التجاوز، فوجّهت الوزارة رسالة إلى النقيب بأن الفرع غير قانوني، ويجب حلّه. لكن رمضان رفض ذلك، معلقاً الموضوع على شماعة توجيهات القيادة. وبحسب عدد كبير من الفنانين السوريين الذين زوّدونا بالوثائق الدامغة لكلامهم وبحسب القانون، لا يحق لفرع المنطقة الشرقية الانتخاب، ولا يجوز أن يبقى قائماً، لعدم اكتمال النصاب في أعداده، والسلوك القانوني هو إلحاقه بفرع حلب!