تخطى «مهرجان البستان» كمّاً هائلاً من الصعوبات كي لا يلغي دورته لموسم شتاء 2020. عاكسته جميع الظروف في الأشهر الأخيرة التي سبقت موعد انطلاق الدورة، لكن بين الإصرار والإرادة والرغبة في عدم «خيانة بيتهوفن» والتخلّف عن الانضمام إلى الاحتفال بذكرى ولادته، صمدت الدورة المسماة «لودفيغ» (الاسم الأول للمؤلف الألماني الكبير)، وانطلقت في 18 شباط (فبراير) الماضي. كل الأمسيات جرت في موعدها، وبالأسماء التي دُعيت لإحيائها، من دون تعديل أو تأجيل أو إلغاء. بعد ذلك، انتشرت أخبار فيروس كورونا في لبنان قبل أن ينتشر هو «شخصياً» هنا، وفي معظم دول العالم، من بينها إيطاليا، التي باتت تعدّ من أكثر الدول تضرّراً، بعد الصين وكوريا الجنوبية وإيران. لا موسيقيين صينيين ولا كوريين ولا إيرانيين في «البستان» هذه السنة، لكن من إيطاليا هناك العديد من الفنانين المشاركين في الدورة، غير أن معظمهم قدّم مساهمته قبل أن يفتك كورونا ببلده، من بينهم عازفو البيانو الثلاثة الذين أحيوا الأمسيات الثلاث الأولى: غلوريا كامبانر، فيليبو غوريني وفانيسا بينيلّي موزيل. في 13 الجاري، يصل المهرجان إلى محطة مهمّة هي السمفونية التاسعة، أشهر أعمال بيتهوفن، وكان يُفترض أن تليها، بعد يومين، أمسية مخصصة لأضخم وأهم عمل إنشادي ديني للمؤلف، ونقصد «القداس الاحتفالي». العملان متشابهان تماماً من حيث التركيبة، رغم اختلاف الفئة، أي أن تنفيذهما يحتاج إلى أربعة مغنين منفردين، وجوقة كبيرة وأوركسترا مكتملة. المشكلة وقعت في أمسية «القدّاس» التي كانت ستشارك فيها جوقة إيطالية هي Coro Lirico Siciliano (جوقة صقلية الإنشادية)، إذ مُنعت المجموعة من السفر، ما وضع «البستان» أمام خيارين: إلغاء الأمسية أو إيجاد بديل. لكن نظراً إلى أن المغنين المنفردين قادرون على المشاركة، قررت إدارة المهرجان تقديم «التاسعة» مرة ثانية، بدلاً من «القداس»، بعد تأمين بديلٍ عن الجوقة الإيطالية، هو «جوقة جامعة سيدة اللويزة» التي يشرف عليها الأب خليل رحمة.إذاً، بدلاً من «تاسعة» واحدة، سيحظى الجمهور باثنتَين مختلفتَين في الجزء الأكبر منهما، من حيث الأداء. بالإضافة إلى المغنين المنفردين الأربعة الذين يتبدّلون بين النسختين، هناك اختلاف أساسي يطال الأوركسترا، إذ تشارك «الأوركسترا الوطنية الفلهارمونية» في الأمسية الأولى، بينما تحلّ محلّها «الأوركسترا الوطنية الأرمنية لموسيقى الحجرة» في الثانية، في حين تحظى الأولى بمشاركة «جوقة جامعة القديس يوسف» (إشراف ياسمينا صبّاح) إلى جانب «جوقة اللويزة» التي تشارك وحيدةً في الأمسية الثانية.
علماً أن القيادة في الحالتَين هي للمايسترو الإيطالي المقيم في لبنان (والمدير الفني لـ «البستان») جيانلوقا مارتشيانو.
إذاً، في المحصّلة، خسرنا «قداس» بيتهوفن وكسبنا «تاسعة» ثانية… إذا أردنا أن نكون واقعيين، يبدو أن لهذه الخسارة أوجهاً إيجابية. فـ «القداس الاحتفالي» هو عمل «صعب». نقصد صعوبة التلقّي. فهو تحفة شديدة التعقيد، رضخ تحتها كبار قادّة الأوركسترا (الراحل نيقولاوس آرنونكور، على سبيل المثال)، واعتبروها «مشكلة بيتهوفينية» تتطلب جهداً كبيراً لاختراقها. بالتالي، الجمهور المحلّي قد لا يكون جاهزاً للاستمتاع، كما يجب، بهذا العمل… ولو ادعى بعض المنافقين عكس ذلك بهز الرأس إعجاباً، بينما هم يتشلّعون من الداخل ويقولون في سرّهم: متى ينتهي هذا القصاص؟ غير صحيح أن الحياة البرجوازية كلها رخاء!