دمشق | وفي الذكرى الثالثة للحريق السوري، رحل النجم وفيق الزعيم (1955 ــ 2014). قرر الممثل المعروف أن يطبق جفنيه ويمضي، مسدلاً الستار على ما يزيد عن ثلاثة عقود من العطاء الفني، بعد رحلة مع مرض السرطان أمضى جزءاً كبيراً منها في مستشفى «الجامعة الأميركية في بيروت». اقترن ظهور إبن مدينة حماة بدمشق، وجسّد حالة فلكلورية تعكس تاريخها، خصوصاً عندما لعب دور «أبو حاتم» في سلسلة «باب الحارة» التي أطلقت نجوميته الواسعة عربياً.
بداية نجم الدراما الشامية كانت في مطلع الثمانينيات، عندما وجد في المسرح ضالته عشقه، فتفرّغ للعمل في «المسرح العمالي» ثم «المسرح القومي» الذي قدم على خشبته عروضاً هامة، منها «رؤى سيمون ماشار» و«الإستثناء والقاعدة»، و«حكاية زهرة الحفارة» و«مصرع عامل». بعدها، تمكن التلفزيون من جذب الزعيم ليلعب بطولة مسلسلات عدة كان أبرزها «حارة نسيها الزمن» (1991). وفي العام نفسه، لعب بطولة فيلم «الطحالب» مع المخرج ريمون بطرس، ثم اشتهر في أحد أدواره التلفزيونية بعبارة «كريستال وأصلي»، ليتعرّف الجمهور إلى خفّة ظله. لكن قلة الذين اكتشفوها بوضوح عندما تابعوه في مشهد نادر أثناء تصويره مسلسل «حارة الجوري» (2001). يومها، دخلت الكاميرا الخفية موقع التصوير محاولةً اصطياده، فراح يتصرف بهدوء وبرود شديدين، ويرد بسخرية إلى درجة شعر الجمهور أنّه هو من أكل الضرب. كرّت سبحة الأعمال التلفزيونية من «حمام القيشاني» (2001)، و«آباء وأمهات» (2002)، إلى «الداية» (2003) و«كوم الحجر» (2007) الذي سبقته الإنطلاقة الكبيرة في الجزء الأول من «باب الحارة» عام 2006. شارك الممثل السوري في أعمال شامية منها «الزعيم» (2011) الذي كتب نصه شخصياً وأخرجه مؤمن الملا. أما آخر ظهور له، فكان في «طاحون الشر 2» العام الماضي.
وبينما راح نجوم الدراما السورية ينعون الراحل على صفحاتهم الفايسبوكية، صرّحت «نقابة الفنانين السورية» عن إستعدادها لاستقبال جثمان الراحل بوفد رسمي آت من بيروت، على أن تعلن العائلة لاحقاً تفاصيل العزاء والجنازة التي يفترض أن تتم اليوم. أما صفحة «باب الحارة» على فايسبوك، فنشرت أنّ الصلاة ستقام ظهر اليوم في «جامع علي بن أبي طالب» في دمشق، والدفن في «مقبرة الدحداح»، مشيرةً إلى توقف تصوير العمل ليومين حداداً على الراحل.
وفي تصريح لـ«الأخبار»، نعى الممثل سامر المصري زميله مصرّاً على أن يخاطبه كرجل الحارة الشهم «أبو حاتم»، قائلاً: «لا تكمل، أعرف ماذا تخبئ عينك. لم تحتمل أن ترى الأغراب يغزون حارتك، وأنت صامت لا تقوى على شيء. أعرف أنك مقهور وأنت تشاهد نساءها يتحولن إلى أرامل، وشبابها إلى شهداء، وعقلاءها إلى مشردين. لا تيأس، فالله كبير ولم تصل شجرة يوماً إلى السماء. نم وأنت مطمئن».
من جهته، قال لنا الممثل عباس النوري إنه «رغم أنّه لم تربطني علاقة وطيدة به، إلا أنّه كان مقرّباً من كل العاملين في الوسط الفني، لأنّه يعرف كيف يفرض احترامه، كما تميّز بالطيبة»، مضيفاً أنّ «أسرة «باب الحارة» هي أكبر الخاسرين. للأسف، رحل الرجل في عز عطائه».
أمل عرفة أوضحت أنّها «عرفته جيداً وعن قرب في مسلسل «الزعيم». وفي الأمس، التقيت بابنه في موقع تصوير مسلسل «الغربال»، وأبلغته أن يوصل سلامي لوالده، وتمنيت له الشفاء. لكن لم تمض الليلة حتى سمعت خبر رحيله. أشعر كأنّ الطيبين يرحلون تباعاً وكأنّه لم يعد لهم مكان في هذا العالم».
وسط ازدحام النعوات التي ودّعت الراحل، بدا المصور الفوتوفراغي يوسف بدوي أكثر المتأثرين. صديق الفقيد أكد لنا أنّ وفيق الزعيم «صديق أولاده، وحنون أسرته، وودود جيرانه، وشهم حارته. عندما عملنا سوياً وجدت فيه إنساناً يحنو على حجارة الشام كما يحنو على أبنائه. يداعبها ويزرع في شقوق جدرانها إبتسامة اعتاد رسمها على وجهه في كل مكان». ويضيف بدوي أنّ صديقه كان في صدد تأليف كتاب عن اللهجة الشامية عندما غدره المرض وأبعده عن الجزء السادس من «باب الحارة». من جهته، يدلي مدير الإنتاج سامر الطويل بشهادة خاصة لـ«الأخبار»، مشيراً إلى أنّه لم يسبق للزعيم أنّ «تأخر عن موعد تصوير، أو أن احتج على ظروف التصوير حتى لو اضطر الإنتظار لساعات. كنت أشتهي أن يطلب مني التنسيق مع أعمال أخرى كبقية الفنانين ولو لمرّة واحدة. على العكس، كان يذهلنا بالتزامه وصبره».
هكذا، يلتحق وفيق الزعيم بقافلة الموت لتخسر الدراما السورية ورقة رابحة وتفقد الدراما الشامية تحديداً مهندسها وأحد أركانها.




قصي حزين ولكن؟!

في حديثه مع «الأخبار»، قال المخرج سيف الدين السبيعي إنه عمل مع وفيق الزعيم في الجزء الأوّل من «الحصرم الشامي» و«عرفتُ طيبته ودماثة أخلاقه. أكثر ما يحزنني الآن أنّه لم يتسن لي العمل معه مجدداً». في المقابل، اكتفى الممثل قصي خولي بتغريدة نعى فيها زميله، متمنياً أن يكون مثواه الجنة، ليتابع بعدها مباشرة حلقة برنامج «أحلى صوت» (The Voice) وتنهمر تغريداته عن المشاركات السورية فيه. المسألة عرّضت الممثل السوري لانتقادات لاذعة من متابعيه، لكنّه سرعان ما رد قائلاً بأنّه «اعتدنا في سوريا أن نكبّ على الجرح ملحاً ونستمر. فلو كان وفيق موجوداً، لفرح للنجاح السوري لأنّه سوري».