وفي مقال مفصّل، لفتت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إلى أنّ تصنيفات المحطات الأربع الأساسية في البلاد تسجّل ارتفاعاً أسبوعياً منذ الأوّل من آذار 2020، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنّ معدّل 32 مليون أميركي شاهدوا نشرات الأخبار المسائية في الأسبوع الثاني من آذار، ما يمثّل زيادة بنسبة 42 في المئة عن الوقت نفسه من العام الماضي.
هذه النتيجة انسحبت أيضاً على محطات الكابل وشبكات المشاهدة الرقمية في الأسابيع الماضية. ففي الأسبوع الثاني من آذار، سجّل عدد مشاهدي HBO نمواً بنسبة 20 في المئة بالمقارنة مع الأسابيع الأربعة التي سبقته. هنا، لفتت الشبكة الأميركية إلى أنّ الـ Binge Viewing (المشاهدة بنهم ــ متابعة ثلاث حلقات متتالية على الأقل من دون توقف) ارتفع بنسبة 65 في المئة في الفترة نفسها. وعلى الرغم من أنّ «نتفليكس» لا تشارك بيانات رسمية متعلقة بالمشاهدات، غير أنّ رئيس المحتوى فيها، تيد ساراندوس، أكد وجود «ارتفاع ملحوظ». يأتي هذا الكلام بعد فترة وجيزة من تصنيف المنصة ضمن الشركات العشر الأفضل أداءً في مؤشر S&P 500 المالي، مع إشارة تقارير عالمية إلى أنّ أسهمها ارتفعت بنسبة 0.8 في المئة في المرحلة الأولى من تفشّي «كوفيد ــ 19»، الأمر الذي دفع محلّلين إلى القول إنّ «نتفليكس» ستتخطى التوقعات في الربع الثاني من 2020 لناحية أعداد المشتركين حول العالم.
في ظل هذه النتائج «الإيجابية» التي تنعم بها وسائل الإعلام بعد معاناة طويلة، قد تكون فائدة وجود جمهور أكبر من المعتاد قصيرة الأجل، إذ تهدد الجائحة بتقويض البنية الأساسية لأعمالها. فمع تحجيم الشركات لأعداد العاملين لديها، وتحذير الخبراء من الركود مع تباطؤ الاقتصادات العالمية، قد يقرّر عدد كبير من المشاهدين في الأشهر المقبلة الابتعاد عن الكابل أو تقليص اشتراكات خدمات الـ«ستريمينغ»، فضلاً عن الاضطرار إلى تعليق أو تأجيل إنتاجات بالجملة كانت الجهات العارضة تعلّق عليها آمالاً كبيرة لجذب المتابعين وتغذية أرباحها. فقد أوقفت شركة «وورنر بروز» العمل في أكثر من 70 مسلسلاً تلفزيونياً (The Flight Attendant، وYoung Sheldon، وThe Batwoman...)، إلى جانب إعلان «نتفليكس» توقف العمل على كلّ أعمالها الأصلية في الولايات المتحدة وكندا، من ضمنها مسلسل الخيال العلمي والفانتازيا Stranger Things، والموسم الأخير من المسلسل الكوميدي «غريس آند فرانكي»، والجزء الثاني من The Witcher.
محاولات حثيثة لسدّ فجوات المحتوى في ظل تأزّم الأوضاع الاقتصادية
على خطٍ موازٍ، جُمّدت أعمال درامية بارزة على شاكلة الجزء الرابع من The Handmaid’s Tale (هولو ــ استناداً إلى رواية بالعنوان نفسه للكندية مارغريت آتوود)، والنسخة التلفزيونية من Lord of the Rings لصالح «أمازون»، والموسم السادس من The Peaky Blinders لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» وغيرها. هذا فضلاً عن توقف غالبية البرامج الليلية المتأخرة التي تجمع بين الحوار والكوميديا («جيمي كيميل لايف!» على ABC مثلاً).
وفي وقت لا تبدو فيه نهاية النفق قريبة، بات على جميع هذه المؤسسات الضخمة التفكير في طرق لمعالجة الفجوات في المحتوى، التي ستظهر كنتيجة طبيعية لتوقف عجلة الإنتاج. وإلى حين اتضاح الصورة أكثر مع مرور الوقت، لجأت HBO (تستعد في أيّار (مايو) المقبل لإطلاق منصة HBO Max المخصصة للبث الرقمي) و«ديزني» (القنوات من منصة الستريمينغ «ديزني بلاس») إلى أعمال قديمة كسلسلة المافيا الشهيرة «آل سوبرانو»، إضافة إلى توفير فيلم «فروزن 2» عبر Disney+ قبل ثلاثة أشهر من موعده المحدّد.
وتبقى الإشكالية الأساسية مرتبطة بالمعلنين الذين يمثّلون مصدر الدخل الأساسي لصناعة الترفيه، ولا سيّما على الشاشة الصغيرة ومنصات البث التدفّقي. ففي مقابل توقعات بأن تغيّر الأسابيع القليلة المقبلة خطط البرمجة والإعلانات التقليدية على وسائل الإعلام المرئية السائدة، هناك آراء تجزم بأنّ المعلنين سيحصلون على زخم أكبر للتحوّل إلى الإنترنت، مع تزايد أعداد الناس الملتزمين بالحجر المنزلي. أصحاب هذا التوجّه يؤكدون أنّه فيما مواقع الإعلانات التقليدية، مثل مراكز التسوق وقاعات السينما ولوحات الإعلانات على الطرق السريعة، لم تعد تجذب مقل العيون، فإن من شأن ذلك أن يسرّع ويزيد من حجم تحوّل المعلنين إلى خدمات البث عبر الإنترنت حيث يبقى المضمون أكثر تنوّعاً!