إلى أيّ مدى ما نعيش اليوم من محنة كونية، هو بمثابة اختبار لوسائل الإعلام لتثبت أنّها في خدمة الجمهور؟
ـــ المشكلة الحاصلة اليوم هي مشكلة كونية، والحظ الكبير هو للإعلام اللبناني والعربي والدولي، لأنّه مختلط بين الجيل القديم والجيل الجديد. إذ أنّ الجيل الجديد قد استلحق نفسه بالوسائل الجديدة أي عبر قنوات التواصل الاجتماعي، وبرأيي أنّ هذا النوع من العمل الإعلامي سيكون في ما بعد العمل الرائد، فالصحافة المكتوبة وبكلّ أسف شبه منتهية والشاشة الصغيرة هي للجالس أمامها. أمّا الهاتف الذكي فهو برفقة الشخص أينما كان.



شكّلت إيران موقع أكبر تفشٍّ لفيروس كورونا في المنطقة، برأيك هل أدّى هذا الأمر إلى انحراف الإعلام عن دوره المحايد في الدول غير الصديقة لإيران؟
ـــ الأكيد أنّ الإعلام اللبناني كان منحازاً، كما كل الإعلام في كل أنحاء العالم، وهذا أمر لا يجوز في المواضيع العلمية. في المواضيع العلمية يجب أن نكون علميين، وعلى الإعلام والعلم أن يكونا متزاوجين. غير أنّ الجيوش الإلكترونية في إيران كما في لبنان قد تعاطت مع الأمر بعدم مسؤوليّة. ففي إيران تمّ إخفاء العدد الصحيح للإصابات وفي لبنان دخلت السياسة عند تناول الموضوع.

كيف تقرأ تشكيك الإعلام في بعض الدول العربية بدقّة الأرقام الرسمية لحالات الإصابة بالفيروس في بلدانهم؟ كما يأخذ البعض الوباء من إطاره الطبّي إلى تصويره كسلاح مندسّ في حرب عالميّة ثالثة.
ـــ عدم التّصريح عن العدد الحقيقي للإصابات بفيروس الكورونا، في الدول العربية أو الأجنبية، هو دليل تخلّف فكري وعلمي وثقافي، لأنّ تأثير هذا الفيروس هو على كامل الكرة الأرضية. في أوروبا مثلاً، كانوا يصرّحون عن عدد الإصابات بشكل دقيق للسيطرة على الوباء والحدّ من تفشيه. فإن قلنا إنّ هناك حالتين في منطقة معينة في حين كان هناك خمسون حالة، فهذا سيؤدّي إلى تفشّي المرض بطريقة إجرامية ويودي بعدد كبير من الأرواح. لذا يجب الحدّ من هذا التخلّف بواسطة حكّام على قدر من الفكر والثقافة ليكونوا المثل الصالح بأخذ الحقيقة من مراجعها الصحيحة.

هناك من يقول بأنّ الإعلام في بعض الدول مثل إيطاليا وإسبانيا قلّل من خطورة الأزمة عند بدايتها، وهذا ما لعب دوراً أساسياً وساعد في تفشّي المرض، هل توافق الرأي؟
ــ إنّ «مركز الصحافة والإعلام» فرع باريس كان يلاحق هذا الموضوع، وأكّد لنا أنّ البداية كانت من خلال مباراة لكرة القدم في إسبانيا حيث لم يكن هناك وعي وإدراك بالمرض، ما أدّى إلى انتقال العدوى وتفشّيها في فرنسا وقد حصل ما حصل بعد عودة كلّ إلى منطقته... من هنا عدم تشخيص المرض من الأساس كان أكبر خطيئة علميّة، ولا أضع المسؤولية على دولة عربية كانت أو أوروبية أو أميركية أو غيرها، بل المسؤولية تقع على عاتق الإعلام والاستهتار وغياب الخطط العلمية الاستباقية. ولا يمكن اتّهام أوروبا بأنّها وراء هذا الأمر، فقد ألحق هذا الوباء أكبر عدد من الخسائر البشرية في إيطاليا وفي فرنسا وفي إسبانيا... وعن النوايا السيّئة التي تحاول القول بأنّ فيروس الكورونا عمل مفتعل ومقصود من الغرب أو من الصين أو من مكان معيّن في العالم، فأنا أعتقد بأنّ من يريد القيام بعمل سياسي تخريبي عليه أن يكون أكيداً بأنّ هذا العمل لن يرتدّ عليه كما هي الحالة مع الكورونا التي لفّت العالم.

بأيّ شروط ستتمكّن الصحف والشاشات الصغيرة من تخطّي الأزمة وجذب المعلن في حال استمرار الأزمة لأشهر؟
ـــ هي مشكلة من المشاكل التي سنواجه ما بعد أزمة الكورونا، إذ ستكون الانعكاسات صعبة جداً على المعلن وعلى الوسيلة الإعلامية وعلى كل الناس. علينا أن نعتاد على نمط حياة معيّن، ما بعد الكورونا، وعلى تقشّف معيّن وعلى حالة اجتماعية معيّنة... وهذا مع الأسف سيطال الإعلام كونه جزءاً أساسياً؛ لذلك فإنّ مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية هي التي تعمل اليوم، في حين أن التلفزيونات باتت من دون إعلانات تقريباً، باستثناء تمرير القليل من الإعلانات لمساحيق الغسيل وبعض الأمور الأخرى... لذلك أنا لست متأكّداً من مدى إمكانية الوسائل الإعلامية في الاستمرار مع غياب الدعم من احتياطي الدولة أسوة ببلدان العالم وتحديداً فرنسا، حيث يتم دعم الإعلام والشركات والمؤسسات عن طريق دفع رواتب الموظفين، بالإضافة إلى كمّ هائل من التسهيلات كتوقيف كل أنواع الضرائب.
التلفزيونات باتت من دون إعلانات، باستثناء ما يتعلق بمساحيق الغسيل


ختاماً كيف تقيّم أداء الإعلام اللبناني في مواكبة الأزمة؟ وهل من تخوّفات على إعلامنا المحلّي؟
ـــ أنحني بكلّ تواضع أمام الإعلام اللبناني النبيل والعظيم وحملات الوقاية والتوعية التي يقوم بها. لكنّني أخشى التردّي الاقتصادي والمالي الحاصل ليس فقط على الإعلام بل على لبنان، وعلى المستويات كافة، الصناعي والتجاري والزراعي والمصرفي...