«حتى إخفاقاته مذهلة» قالها الناقد روجر إيبرت. «أهم مخرج على قيد الحياة» قالها فرنسوا تروفو. فرنر هيرتزوغ، المخرج الألماني غزير الإنتاج (أكثر من 70 فيلماً) هو بلا شك أسطورة حية. في أفلامه، رسم أقصى حدود التجربة الإنسانية. أبطاله طموحون، مجالاتهم غامضة، دائماً على صراع مع الطبيعة ومع البشر ومع أنفسهم في روائعه الروائية الكثيرة («أغيري، غضب الرب»، «فيتزكارالدو»، «نوسفيرادو مصاص الدماء»، «قلب الزجاج»...). قدم على مدى عقود أفلاماً وثائقية انتقل بها من الفضاء إلى باطن الأرض، ومن الحياة في الطبيعة والحياة في انتاركتيكا إلى معالجة عقوبة الإعدام والتكنولوجيا («غريزلي مان»، «لقاءات في نهاية العالم»، «مقابلة غورباتشيف»...).في فيلمه الوثائقي «في قلب البركان» (2016) الذي طُرح أخيراً على نتفليكس، عمل المخرج بشكل وثيق مع كليف أوبنهايمر، عالم البراكين للقيام بجولة على العديد من البراكين النشطة، من إيسلندا إلى إندونيسيا، عبر كوريا الشمالية وأثيوبيا. أسلوب هيرتزوغ لا يتغير، وصوته الخاص بلكنته الإنكليزية التي لا لبس فيها. روح من العلوم والثقافة، وشهادات خبراء في المجال وقادة شعوب أصليين يعيشون تحت البراكين بطقوسهم ومعتقداتهم، والموسيقى الفخمة والجمال اللامتناهي للمشاهد البانورامية للبراكين... كلّها عناصر تسمح للفيلم بإرسال مزيج من الأحاسيس بدءاً من الكآبة وصولاً إلى السوريالية. وهناك أيضاً قوة الطبيعة المبهرة التي تولّد حالة من الذعر. تصبح البراكين مع حقيقتها العلمية، خلفيةً لمناقشات فلسفية معقدة تؤثر يومياً في حياة الملايين.
يستخدم هيرتزوغ انبهاره «البارد» بالبراكين وصداقته مع أوبنهايمر، لتقديم صورة مثيرة للإعجاب عن البراكين التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة. الفيلم هو دراسة عن الإنسان قبل الطبيعة، تتخلل المقابلات مع القبائل التي تعيش تحت البراكين، نقاشات في أساطير وتأملات وديانات قديمة متجدّدة ذات علاقة وثيقة بالجار الغاضب. «في قلب البركان» يتعامل ظاهرياً وعلمياً مع البراكين النشطة حول العالم، ويدرس علاقة الإنسان بجانبه الغامض. يحتفي بالطبيعة ويضع الإنسان في مكانه الصحيح، في حالة التقديس الديني أو السياسي أو العلمي والافتتان الكامل لهذا المجهول الذي لا يمكن السيطرة عليه.

* Into The Inferno على نتفليكس