«إل بيبي» يستيقظ من نومه، يخرج من السرير مرتدياً سرواله القصير. يبدأ بتعديل بدلته. آخر مرة ارتداها كانت خلال احتفال تسلّمه الرئاسة في الاوروغواي عام 2010. نحن الآن في 2015، تحديداً في اليوم الأخير من ولايته. «بيبي» في الواقع هو خوسيه موخيكا (1935)، لكن المخرج أمير كوستوريتسا يدعوه بهذا الاسم في الوثائقي مثلما كانوا يدعوه رفاقه خلال سنوات النضال الطويلة. وثائقي «إل بيبي: حياة عظيمة» (2018) الذي طرح على نتفليكس، هو أيضاً عودة منطقية للسينمائي الصربي ولمواقفه السياسية. المخرج المولود في البوسنة، تحوّل إلى الديانة الأرثوذوكسية عام 2005، ما أثار الجدل في وطنه، فالمعتقدات الدينية والجماعات العرقية وكذلك التعامل مع ما حدث خلال الحروب اليوغوسلافية، قضايا لا تزال محلّ جدل كبير، وكوستوريتسا كان دوماً يؤكد أنّه يوغوسلافي. في هذا الوثائقي، يشارك مخرج «اندرغراوند» الرئيس السابق الأفكار الاشتراكية. موخيكا البالغ 84 عاماً، حارب ضد النظام مع حركة «توباماروس» الثورية اليسارية، خلال الديكتاتورية العسكرية في السبعينيات والثمانينيات. فخور بماضيه، وقادر على الحلم بمستقبل أفضل، ظلّ الرجل المتواضع الذي أصبح رئيساً للأوروغواي، ناشطاً سياسياً ومخلصاً لما كان يؤمن به، لكنه يقبل التغيير والتطور في آن. من خلال سلسلة مقابلات، يتعمّق مخرج فيلم «وقت الغجر» في إرث موخيكا. نراهما يتناقشان في معنى الحياة من وجهة نظر سياسية وفلسفية وجمالية وشعرية وفنية. لا يخفي كوستوريتسا إعجابه به، ما يهدد الفيلم بأن يصبح أحادي الجانب، لكنه يبقى دائماً موضوعياً مسلياً بسبب سحر موخيكا وشخصيته، وأيضاً مهارة كوستوريتسا.يحدّد الوثائقي الشخصية المهيبة للسياسي المتماسك بكلمات وأسلوب حياة. يروي الحاضر والماضي المأساوي للسجين السياسي و«أفقر رئيس في العالم». في الأول من آذار (مارس) 2015، انتهت ولاية موخيكا. خلال وجوده في الحكم، انخفض خط الفقر في البلاد إلى 9%، وخصص الرئيس 70% من راتبه للفقراء، ورفض العيش في القصر الجمهوري، بل حافظ على حياته المتواضعة وسيارته «البيتل» التي يتنقل بها. كوستوريتسا يدخن السيجار، ويتذوق حلاوة ومرارة كلمات موخيكا. يخبره عن العزلة الشديدة لسنوات السجن الطويلة، وعن نضاله، وعن حياته في الريف، في بيته وحديقته وبين حيواناته، وأيضاً يخبره عن الحب الكبير والرومانسية التي تجمعه بزوجته لوشيا توبولاسكي (مناضلة سياسية شغلت مناصب عدة آخرها نائبة رئيس الأوروغواي).
ناضل مع حركة «توباماروس» اليسارية خلال الديكتاتورية في الأوروغواي السبعينيات والثمانينيات


سافر كوستوريتسا إلى مونتيفيديو بكاميرته وفريق تصوير صغير بقصد التعرّف أكثر إلى موخيكا. والنتيجة وثائقي يحمل اسماً فخماً يليق بالمتكلم عنه. نُفتن بموخيكا وبالطريقة البسيطة الذي يعيش فيها في مزرعته منذ ثلاثين عاماً. نفتن بموخيكا لأنه لا يعرف المحادثة السطحية. ببضع كلمات، يمكن الوصول بحديثه إلى أعماق فلسفة الجنس البشري، ومعنى الحياة. نفتن بموخيكا لأنه قضى 12 عاماً في السجن، وعرف معنى الحياة من خلالها. نفتن بموخيكا لأنّه رجل لا يطلب الانتقام، ولا الدم، ولأنه قام بما لم يفعله أيّ رئيس جمهورية تقريباً في عصره: تولّى القيادة العليا لبلده، وتركها أفضل مما كانت عليه!

* El Pepe: A Supreme Life على نتفليكس