صوّرنا في ظروف صعبة. حوصرنا بوباء عالمي، ولم نتمكّن من تنفيذ شروطنا الفنيّة. عليكم أن تتفهموا معاناتنا وجهودنا لإخراج العمل إلى الضوء. كلّها عبارات استباقية تحضّر لها صنّاع بعض المسلسلات الرمضانية في مواجهة أيّ حالة نقدية قد تتصدّى لأعمالهم. كأن كورونا أتت مطيّة للفشل. لكن يعرف المتابعون والمهتمّون في كواليس العملية الفنية أن مسلسل مثل «النحّات» (كتابة بثينة عوض وإخراج مجدي السميري ــ بطولة باسل خيّاط وأمل بوشوشة ــ إنتاج «آي سي ميديا» بشراكة «غولدن لاين») قد بدأ التحضير له على الأقل قبل ستة أشهر من رمضان، بينما تسلّمت الجهة المنفذة له دفعات من ميزانيته قبل ذلك، والمعدّل الزمني الوسطي لإنتاج أضخم مسلسل ثلاثيني عربي لا يتجاوز 120 يوم تصوير، في حال بالغ المخرج في خياراته الفنية وتمسّك بكل شروطه، ومنح موازنة كبيرة! أما عمليّاً، فعلى الأغلب أنّ المسلسل يصوّر في 60 يوماً كحد أقصى. إذاً لا حجّة مقنعة لتأخير إنجازه أصلاً، كي يظهر بهذه الصورة الهزيلة بذريعة كورونا. المنطق الحكائي للرواية جديد، بذلت فيه كاتبة النص اجتهادات لنسج مقترح مغاير عن السائد. بمعنى أنه كان يريد التجريب من خلال قصّة نحّات يصل إلى لبنان من أجل أن يدرّس في جامعة خاصة مادته الفنية. وبالتزامن مع هذا الوصول، يفتح بيت أبيه الذي قتل مذ كان طفلاً، وأقفل ملفّ جريمته. وما إن يدخل المنزل المهجور، حتى تتداعى سلسلة من الأسرار المخبأة في ذاكرته، كأنه جاء أصلاً ليتقفّى أثرها. يساعده في عملية البحث تلك خطيب صديقته المقرّبة، وهو ضابط في الأمن العام. تتدحرج القصة على أرضية غرائبية لكن هشّة، ومن ثم تسيطر على حياته أحداث ملغومة، لا نفهم مغزاها مهما حاولنا الربط، أو إعادة المشاهدة بقصد تفكيك كود الشيفرة المعقّدة. لكن النتيجة تكاد تكون مجرّد دوران بطيء في دائرة مفرغة!مادة درامية مشوّشة ركيكة خالية من التشويق، وتائهة في إيقاع رتيب. خليط بين رعب مفتعل، وحلول بوليسية قاصرة، وقد أجهز عليها مزاج مخرج يبدو كأنه منح فرصة أكبر من إمكانياته. لم يسمع عن شرط العرض الرمضاني، أو منطق المنافسة وصبر المتفرّج القصير وضرورة سبك الحكاية بتراكمية وتصاعد جذاب. هكذا، سيقترح المخرج التونسي حلولاً بصرية وفرجة خاوية، ويديرها بسوية تحقق كلّ مقوّمات الملل. موسيقى جنائزية، وطاقة سلبية، وغياب تام عن ضبط الممثّل أو توجيه أدواته. نحن أمام باسل خيّاط الرقم الصعب في عالم التمثيل على مستوى الوطن العربي، وقد تحضّرنا لوجبة ثقيلة يلعب فيها ثلاثة كاركترات، لكنها عملياً لا تحقّق الحد الأدنى من الإقناع، لأنها أصلاً رُميت بدون مبرّرات مستساغة. كأننا هنا نتعرّف إليه من جديد. هل هو حقّاً من كاد يوقف قلوب مشاهديه في «30 يوم» (كتابة أحمد شوقي ومصطفى جمال هاشم وإخراج حسام علي) و«الرحلة» (كتابة نور الشيشكلي وعمر الدالي وأحمد وائل، وإخراج حسام علي). لعلّه الخيار الخاطئ أن يذهب نحو شخصية تشبه من حيث الشكل العام ما قدمه خلال موسمين متتاليين. رجل مضطرب، تلاحقه هواجس غير صحيّة، تبدو عليه علامات الاضطراب النفسي بشكل أو بآخر. لا تمنحه المادة التي بين يديه فرصة لاستعراض أدواته بالشكل الكافي. ولن نبالغ لو قلنا بأن 9 حلقات مرّت من دون أن يفهم المشاهد شيئاً. سنسأل أنفسنا ونحن نمارس قصاص المشاهدة، ترى أين أمل بوشوشة التي قيل بأنها شريكة في البطولة؟ فتردّ علينا بظهورها في مشهد مبهم ثم تختفي، وقد قارب جزء المسلسل الأوّل من نهايته، باعتبار أن الجهة المنتجة ستعرض 15 حلقة هي كامل ما صوّرته، على أن ينجز الباقي ويُعرض لاحقاً! طيّب، ماذا عن ندى أبو فرحات الممثلة اللبنانية التي يُشهد لها بالتمايز؟ لن تضيف شيئاً على الحالة بل حرفياً ستكملها. مريضة نفسياً علاقتها موتورة بابنتها، لكنّها تلعب بـ«ري آكشن» يتيم. ثابت. لا يمكن أن يتغيّر مهما تباينت الظروف. لعلّ كل ما سبق يختصره تعليق أحد النجوم السوريين تحت الهواء، وهو يمازح في توصيفه لما شاهده: «إنه المسلسل الأول الذي يرى النور برعاية بنادول نايت».

* «النحات»: 23:00 على «أبوظبي الأولى»