قبل أيام قليلة وتحديداً في السابع من الشهر الجاري، احتفل أصغر فرهادي (1972) بعيد ميلاده الـ 48. فرهادي من المخرجين الإيرانيين المعاصرين الكبار، وأفلامه دائماً ما تقدّم في أهم المهرجانات العالمية. لكن قبل ذلك، تحديداً قبل عام ٢٠٠٩، قدّم فيلمه «عن ايلاي» الذي أكسبه شهرة عالميةً ومنحه جائزة الدب الفضي في «مهرجان برلين» (بعده قدم العديد من الأفلام وربح جوائز كثيرة مثل فيلم «انفصال» (٢٠١١) الذي نال جائزة الدب الذهبي في «مهرجان برلين» وأوسكار أفضل فيلم أجنبي). قبل هذه الشهرة، قدم ثلاثة أفلام، سوف أستغلّ الفرصة لأتكلم عن واحد منها أعتبره شخصياً الأفضل في مسيرته، وهو «ألعاب يوم الأربعاء النارية» (٢٠٠٦).يسجنك المخرج الإيراني داخل أفلامه، يُجلسك مكبّلاً أمام الأحداث، يحرك السرد ببطء ويترك الأحداث تتدفق بسلاسة. يختبر صبرك وأحكامك على الأشخاص، لا يأتيك بكل شيء دفعة واحدة، بل يعطيك مساحة للتفكير. ولكن في الوقت نفسه، لا يجعلك تشرد وتحلل على هواك بل ينعطف بك بسرعة، ليس فقط مع كل مشهد بل مع كل عبارة تُقال. لا يكشف جميع أوراقه، ليجعلك تترقّب ما ينتظرك. يأتيك بشخصيات حقيقية إلى أبعد الحدود، تعيش دراما إنسانية ومشاكل واقعية تحصل كأنك تشاهدها على عتبة بابك.
لا يكتفي فرهادي بواقعية أفلامه وشخصياته، بل يأتينا بفيلم يحمل اسم اليوم الذي تقع فيه أحداث قصته «ألعاب يوم الأربعاء النارية» أو (بالفارسية: چهارشنبه سوری). مناسبة يُحتفل فيها بآخر يوم أربعاء قبل رأس السنة الفارسية (النَّوْرُوز). فيلم تدور أحداثه في يوم واحد في طهران، داخل مجمع سكني. روحي (ترانة علي دوستي) عروس على بعد أسبوع واحد من زفافها، تذهب للعمل كمدبرة منزل لأسرة غنية: مجدة (هدية طهراني) ربة المنزل تعيش في شك بأن زوجها مرتضى (حمید فرخ ‌نژاد) قد يكون على علاقة بامرأة ثانية، وشكوك الزوجة تحوم حول جارتها سيمين (بانتي بهرام) التي تدير صالوناً تجميلياً.
يستغلّ فرهادي المعضلات القائمة بين الخطأ والصواب والصراع في البحث عن الحق بطريقة مثمرة ومباغتة. يعرض القصة من مختلف وجهات النظر، لكن من دون الغوص في التفاصيل وبطريقة سرد مستقرة، تُجيد التوازن بين التشويق والغموض والدراما. يجعل الفيلم تجربة آسرة مع نسج القصة على عدة طبقات. يتحدانا ويواجه أخلاقنا وشكوكنا وأحكامنا على الشخصيات. بسرعة ومن دون تمهيد، نجد أنفسنا مع روحي في وضع غير مطمئن. نسير معها في حقل ألغام، في خضم النزاع الداخلي بين الزوجين، في بحر هائج أبحرت إليه من دون معرفة حيثياته وتداعياته. الحب، الكراهية، الحقيقة والكذب. جميع الأطراف معنية بما يحصل. مواضيع الكذب والخداع والزواج والخيانة في عيون شابة على مشارف الزواج، ما يجعل إيمانها بهذه المؤسسة مهتزاً ومحطّماً. نجلس كمراقبين ومشاركين بشعورنا وردود أفعالنا مثل روحي ضمن صراع عائلي كثيف. بين امرأة تقتلها الشكوك والغيرة، وزوج يرى زواجه ينكسر مثل زجاج البيت، وطفل لا يدري ما الذي يحصل. كل ذلك في مجتمع لا يرحم كل الأفرقاء. معضلات دينية واجتماعية. مشاكل عائلية في المجتمعات المحافظة تتحول من مشكلة صغيرة إلى أزمة كبيرة يتدخل فيها أفراد الأسرة، والكلّ يأخذ طرفاً من دون معرفة الصورة الكاملة. مرتضى يجد نفسه في موقع المتهم، أما مجدة وإن كانت شكوكها صحيحة، فتجد نفسها أمام أحكام الآخرين حول ما صدر عنها من تصرفات وانفعالات أسهمت في دفع زوجها لخيانتها. مفرقعات نارية في الخارج وانفجارات في الداخل. تصدح أصوات الفرح في الشارع، وترتفع هتافات الشك والمشاعر المحطمة في الداخل. يبدأ الفيلم وفي رأسك تساؤلات وتتمنى أن تجد لها أجوبة شافية. هل يغضب مرتضى من مجدة؟ هل يخون زوجته؟ لماذا الشكوك حول الجارة سيمين؟ ما تأثير كلّ هذا على العائلة وعلى الشابة التي تجد نفسها معنية بالموضوع ومسؤولة عما يحدث؟ هل ما يدور في عقل مجدة أوهام؟ أتستمر العائلة أم تتحطم؟