لروحك العالية في سموات الله الخالق، في انتظار يوم بعثك وقيامتك، نقول لك أيها المطران الجليل إيلاريون كبوجي (1922 ــــ 2017): لتسمُو روحك في السماء كما كانت على الأرض.. في ميدانك الأرضي، كنت فيضاً من نورانية صِدق عَجَنَت طينة روحك، وجَبَلَت جوهر معدنك، فصرتَ من أصناف القديسين ممّن ساروا على دروب الشوك، وخشب الصليب. دربٌ لا تعوزه معنى الحياة إلى أن تكون القيامة. كيف لا وأنت الآتي من شهادة الحق للحق، ومن دمٍ سال على كتفي أمّ بتول، ومن مشاهداتك لمن باعوا معلمك وشهيدك وفدائِّيك الأول فوق تراب فلسطينك، وقُدسِكَ، وقداسة محبتك.
أيها المطران الجليل، وقد أيقظت فينا شتى المشاعر في مساءات انتظاراتنا: من حبٍ طاغ لشخصك، وعميق انتماء لقضيتك/نا، ومن فخرٍ بعمامتك وثوبك الرهباني المهيب بكامل حضوره خلف قضبان السجّان، ومن صرختك المدوّية في وجه المحتل.
شتى المشاعر أيقَظَت فينا مَسَاراتُ قضيةٍ أسّسَهَا مُقاومون شرفاء، ولَدَغَ مسيرتها بعضُ سفهاء من طراز ذاك الذي وَشَى بك، وتَنَاتَشَها طارئون مُتَجلبِبون أردية مُستعارة، وداهمها «رويبضيون» تاجروا في سوق الكلام، ونمّامون أخذوا سبيلهم إلى المنابر، وسَفَلَة تماهوا بتنسيقهم الأمني مع أسيادهم المحتلين حتى الثمالة، ثمالة الانحناء تلعق ذاك الحذاء العسكري الصهيوني المبلل بدماء بني جلدتهم.
أيها المطران/ الفدائي/ الثائر/ العابق بطين ترابك الشامي - الفلسطيني - المسيحي المشرقي، القابض على جمر عشق الحرية نُصرة للأحرار الضعفاء أَعَدتَ إلينا بعض روحنا، ونُتَفاً من ذاكرة تآكلتها ثورات لا تشبه الثورة، وضجيج شعارات لم يترك من بحار أمواجه سوى غثاء السيل، ومنتحلي سمات الأداء بلا تواضع.. أين منهم ذَاتُكَ الفائضة بِكِبَر الرسالة التي حَمَلت، وَأَجَدتَ فيها بما اقتضته قولة الحق.
حارس القدس أنت، وستعود تصلّي في محاربها، بعباءتك السوداء كما سيكون لون نهايات جلّاديك، وبيدك مفتاح «أم عطا»، وعلى رأسك تاج الزيتون وإكليل المجد الذي لن يُعطى إلّا لأمثالك.
سيادة المطران، لقد أبلى باسل الخطيب في «تنسيج» مسيرتك، ولم يَخُن أمانة تظهير ما كُنتَه وإن فاته الكثير ليس عن قلة دراية، بل لأنك قديس القضية وعنوان جهادها و«أبو جهادها».
تجربته الدينية والنضالية تستلهم من «لاهوت التحرير»


«حارس القدس» (كتابة حسن م يوسف) أفلح أن يكون بلا بهرجة الخُطَب، أو في «تطويل» المشاهد المملة، بل أعادك إلى مساءاتنا برشاقة الصورة والواقعة، ودهشة تتالي العابر من الأحداث.
ثمة تحية للخطيب المخرج، والفنان المبدع في «تنقيل» اللقطات وتقديمها كحكاية خالصة، وتحية للممثلات والممثلين من كبار الشاشة السورية، وللصغار الكبار الواعدين منهم.. فمنذ أول إطلالة لكل ممثل/ مُشارك، حضروا كأنهم نُسّاك القضية، ومتصوفتها، ورهبانها في أديرة الحق، فالتمع في مسلسل «حارس القدس» بهاء الدور المسيحي، وثقافة الدين المسيحي وعميق دوره، بعد طول انحسار لمثل هذه الأعمال الدرامية، وفي انتظار استعادة الدور الحقيقي لأبناء السيد المسيح على أرضه وفي بيته وكنيسة قيامته..
وللتذكير أنّ مذكرات المطران كبوجي كان قد سجلها الكاتبان سركيس أبو زيد وأنطوان فرنسيس عام 1979 في أحد الأديرة الذي كانت تشرف عليه عمة أبو زيد في روما، وقد أقام فيه المطران كبوجي مع شرط عدم البوح بأيّ كلام، فكان أن حفظا لنا وللتاريخ وللشرفاء قصة مطران قال الحق وشهد له، فصدرت تحت عنوان «ذكرياتي في السجن» عن «دار أبعاد للنشر».

* صحافية لبنانية

* مسلسل «حارس القدس»: 21:00 على قناة «الميادين»