القاهرة | رحل قبل أيام الممثل المصري الكبير حسن حسني (1931- 2020) عن عمر يقترب من التسعين، ورحلة طويلة شارك خلالها في ما يقرب من 500 عمل سينمائي وتلفزيوني ومسرحي، امتدت منذ بداية ستينيات القرن الماضي وحتى أيام قليلة قبل رحيله. كلّها تقريباً في أدوار ثانية أو ثالثة، لكنها صنعت منه نجماً لا يقلّ عن أشهر نجوم الأداء. رحلة تكلّلت بتكريمه في «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» العام الماضي، واختتمت بمشاركته، رغم الشيخوخة والمرض، في مسلسل «سلطانة المعز» الذي عُرض في رمضان الماضي، وفي السينما بفيلم «خيال مآتة» مع الكوميديان أحمد حلمي في العام الماضي.عرفناه كبيراً، كأنه وُلد في الخمسين، مثل كثير من نجوم التمثيل الذين ظهروا قبل انتشار السينما، ولم يظهروا على شاشاتها إلا كباراً: يوسف وهبي، نجيب الريحاني، أمينة رزق، ماري منيب، عبد الوارث عسر، زكي رستم، وغيرهم... غير أن حسن حسني ولد بعد ظهور السينما، لا قبلها، وشارك في عشرات الأفلام منذ بداية الستينيات من القرن الماضي، في أدوار قصيرة لم ينتبه لها أحد.

ينتمي حسن حسني إلى نوع من الممثلين ينظر إلى مهنته باعتبارها «حرفة»

كان على حسن حسني، المولود عام 1931، أن ينتظر حتى يقترب من الستين ليصبح واحداً من ألمع كوميديانات التسعينيات وبداية الألفية الثالثة. شارك في ما يقرب من 500 عمل سينمائي وتلفزيوني ومسرحي، كان أولها فيلم «الباب المفتوح» (إخراج هنري بركات ـــ 1963)، لكن الشهرة لم تواتِه إلّا في سن متأخرة، عندما استوت ملامحه ونضجت موهبته واحتاجت أفلام التسعينيات إلى ممثل يلعب أدوار الآباء والموظفين و«المعلمين».
لم يبدأ حياته كممثل كوميدي. على العكس، كانت معظم أدواره حتى منتصف التسعينيات جادة. لمع في أدوار قصيرة لمخرجين متميزين مثل دور الضابط الكبير في «زوجة رجل مهم» لمحمد خان، ووالد الفتاة المغتصبة في «المغتصبون» (1989) لسعيد مرزوق، والمحامي في «المواطن مصري» (1991) لصلاح أبو سيف، ومساعد وزير الداخلية في «البريء»، والموظف المرتشي في «دماء على الإسفلت» (1992) لعاطف الطيب، وهو الدور الذي حصل عنه على جائزة أفضل ممثل من «المهرجان القومي للسينما» رغم أن دوره فيه ثانوي.
عمل حسن حسني مع مخرجين كبار آخرين: رضوان الكاشف في «ليه يا بنفسج» (1993)، داود عبد السيد في «سارق الفرح» (1995)، أسامة فوزي في «عفاريت الإسفلت» (1996)، في الوقت الذي شارك فيه أيضاً في العديد من المسلسلات التلفزيونية الشهيرة.
قبل دوره في «عبود على الحدود» (شريف عرفة، 1999)، كان حسن حسني قد ظهر في أكثر من مئتي عمل. لكن دوره كوالد علاء ولي الدين في هذا الفيلم يعتبر بداية جديدة لموهبته الكوميدية التي تفجّرت عبر أفلام المضحكين الجدد التي أغرقت السينما المصرية لأكثر من عشر سنوات تالية. بعد «عبود..» ثم «الناظر» مع عرفة وولي الدين أيضاً، تحول حسن حسني إلى تميمة في كل أعمال المضحكين الجدد: محمد هنيدي، محمد سعد، هاني رمزي، أحمد حلمي، أحمد مكي، رامز جلال وغيرهم.
أثار الضحك غالباً من خلال ملامحه الجادة، المتجهمة، التي تستقبل ما يفعله المضحكون باستغراب


تقوم الكوميديا بشكل عام على فكرة الجملة والرد عليها في المسرح أو لقطة الفعل ولقطة رد الفعل في السينما، أو «القرار» و«الجواب» في الموسيقى. لا يمكن لأي كوميديان أن يثير الضحك بدون «سنيد» خبير بجواره يجيد تلقي النكتة وإظهار رد الفعل المناسب الذي ينتقل إلى المشاهد فيضحك. برع حسن حسني بشكل خاص في دور رد الفعل، أو صانع الألعاب الذي يجيد توزيع الكرة للهدافين من المضحكين، فيسجلون أهدافهم مثيرين هتاف وضحكات المشاهدين. من الطريف أن حسن حسني نفسه ليس «كوميدياناً»، فهو لا يبالغ في تحريك جسده أو ملامح وجهه، ولا يرتدي ملابس أو يضع أكسسوارات مضحكة، ولا يطلق نكاتاً لفظية أو عبارات مضحكة بحدّ ذاتها، لكنه يثير الضحك غالباً من خلال ملامحه الجادة، المتجهمة، التي تستقبل ما يفعله وما يقوله المضحكون باستغراب أو اشمئزاز أو خوف، أو أي رد فعل مناسب تماماً لنوع الضحكة التي يفعلها أو يطلقها البطل.
ينتمي حسن حسني أيضاً إلى نوع من الممثلين ينظر إلى مهنته باعتبارها «حرفة»، أكثر منها «فناً»، أو «تقمصاً»، وهو في ذلك أشبه بـ «أسطوات» الحرف الفنية (لا تنسى أن كلمة art تعني الحرفة اليدوية، وكلمة «فن» تستخدم لوصف الإتقان الذي يتسم به أي عمل: فن الحرب، فن الحب، فن اللعب..). من هذا المنظور، فإن حسن حسني فنان أداء من الطراز الأول، تعامل مع التمثيل باعتباره مهنة وحرفة، بما يعني ذلك من إيجابيات وسلبيات. التواضع، الإخلاص والإتقان من الصفات الإيجابية التي نجدها في أعماله، تشهد عليها معظم أدواره، ونعرف أو نسمع عنها من حكايات الفنانين والتقنيين الذين عملوا معه. لكن من ناحية أخرى، هناك العشرات من الأعمال الرديئة أو متواضعة القيمة التي شارك فيها لمجرد أنّه لم يكن يستطيع أن يرفض عملاً، حتى وهو يعرف جيداً، بحكم خبرته وذكائه، أنها لن تنجح جماهيرياً أو أنها ضعيفة فنياً.