نوح» دارن آرونوفسكي متوقع على الشاشة أواسط الشهر المقبل. الفيلم الذي أجازته الرقابة «بتحفّظ» حسب موزّعه، قد يزعج مرجعيّات دينيّة، كما حدث في مصر. لكن بيروت ليست القاهرة! في الظروف السياسيّة المتشنّجة التي تعيشها المنطقة، يُخشى أن تنزلق المؤسسة الدينيّة خارج دائرتها الشرعيّة، لتقتحم الفضاء العام وتمارس وصاية على الحياة المدنيّة. هل نذكّر بـ «تنورة ماكسي» (جو بو عيد)، و «السيد المسيح» ، و «فتح 1453» (فاروق أكسوي)؟ كلّها أعمال ابداعيّة قائمة على الخيال ضُربت بحجّة «ايمانيّة». أين ينتهي الاحتكام إلى القانون (وهو بحاجة إلى تطوير)، لتبدأ استنسابيّة تحددها الأعراف التي تقوم عليها جمهوريّة المحاصصة والنظام الطائفي؟
«نوح» (راسل كرو، إيما واتسون) انتاج هوليودي، يتعامل بأدوات معاصرة مع قصّة مرجعيّة في الحضارة الانسانيّة. ليس صادماً أن يشتمل الفيلم على تناقضات مع الرواية الدينيّة، فهو لا يملك أي ادعاء توثيقي، ديني. هل يجعل منه ذلك «مسيئاً» إلى الأديان؟ ألا تكفي اشارة في البداية إلى أن الفيلم لا يمثّل الرواية الدينيّة بل يحرّفها على هواه كما يحق لعمل ابداعي متخيل أن يفعل؟ الأمثلة كثيرة: «يسوع المسيح سوبر ستار» (نورمان جيوبسون)، «الانجيل حسب القديس متى» (بازوليني)، «يسوع الناصري» (زفريلي). هل كان ينبغي لتلك الأفلام أن تطابق النسق الايماني كشرط لعرضها؟
نتمنّى على «دار الفتوى» أن تتحفّظ على فيلم دارن آرونوفسكي من وجهة نظر ايمانيّة وفقهيّة، لكن من دون أن تطالب بمنعه، احتراماً لسائر المواطنين، وطالما أن هدف الفيلم ليس التجريح والتشويه والاساءة. الموروث الديني ملك الحضارة الانسانيّة جمعاء، ومن حق كل انسان استيحاؤه على طريقته. وهناك في الحاضرة وجهات نظر وعقائد متعددة لا بد من أن تتعايش بسلام. هناك مواطن من حقّه أن يشاهد الاعمال العالميّة ويحكم بنفسه. ليفعل في ظل القانون، بدلاً من أن يفعل عبر الافلام غير الشرعيّة المهرّبة.