في طور تقديمها لكتابها الأخير «الاستثمار في الإعلام وتحديات المسؤولية الاجتماعية (النموذج اللبناني)، تورد أستاذة الإعلام في «الجامعة اللبنانية» نهوند القادري أن «فورة الاستثمار في الإعلام» أدّت الى «تضخّم في المشهد الإعلامي» وتعدّد وظائفه وطفرة العاملين فيه بشكل بات يتعارض مع حركات الإنتاج والاقتصاد وسوق الإعلان. وتشرح أنّ هذه الطفرة أدّت الى «عيوب» و«تشوهات» و«أزمات»، أجبرت المعنيين في مجال الإعلام على خلق مواربة تقيهم من «تكاليف التشغيل»، بينها التهافت على شراء البرامج المستهلكة من الخارج. ورافقت هذه المواربة «قلة اكتراث بأخلاقيات الممارسة المهنية» وباتت معالجة الموضوعات «طرفية دون الاقتراب من صلبها».
الخلاصة أعلاه تصلح لوصف حال الإعلام اللبناني، وخاصة مع تخبّطه في أزماته المالية والاقتصادية التي أدخلته مرحلة جمود عصيبة مع نهاية الصيف وبداية البرمجة الخريفية التي تأخرت هذا العام. وبدلاً من أن نشهد في تلك الفترة إعلاناً عن برمجة جديدة على الشاشات المتنافسة، شهدنا فصلاً جديداً تمثل في إعادة البرامج المعروضة قبلاً أو عرض أعمال شهيرة من مسرحيات وحفلات حفظها اللبنانيون عن ظهر قلب. واليوم، نحن أمام «طلائع» جديدة عبر عودة غير ميمونة لسلسلة برامج انطلق عرضها أخيراً؛ من بينها: «منّا وبالجر» على mtv، و«ع البكلة» و«حلوة منك» على «الجديد». إذاً، المشاهد اللبناني أمام 3 برامج منوعة جمعتها صناعة الترفيه، والسطحية و«تعبئة الهواء». بعضها مأخوذ من فورما أجنبي، وتحديداً فرنسي كبرنامج «منّا وبالجرّ» المستنسخ منTouche pas à mon poste يقدمّه بيار ربّاط. أما البرنامجان الباقيان فمطبخهما جاهز من «حواضر البيت» ولا يحتاجان الى ميزانية عالية.
لم يكن ينقص نسرين ظواهرة سوى سوط لتؤدب به الوسط الفني!

بعد عرض الحلقة الأولى ليلة رأس السنة، تتابعت حلقات «منّا وبالجرّ»: البرنامج خليط من الترفيه وقليل من الجدّية، لا يثبت على هوية واحدة. يوهمنا بداية من عنوانه أنه سيقدّم مادة مهنية نقدية عن البرامج واللقطات التلفزيونية والهفوات التي سجلت في الأسابيع الماضية وشملت mtv أيضاً، مع حضور اختصاصيين في مجالات الإعلام والإعلان والشكل. لكن سرعان ما تتكشف أرضية هذا البرنامج، الذي يضع ثقله في الترفيه والألعاب مع هؤلاء الضيوف. هؤلاء بدورهم تضيع أدوارهم في حفلة من الدردشة البعيدة كل البعد عن تقديم آراء مهنية واضحة تبعاً لاختصاص كل منهم .أما بيار رباط، فقد عرف جيداً كيف «يدوزن» تقويم المواد التلفزيونية التي تكون تحت مجهر ضيوفه. نراه يعرضها ويظهر فجاجتها، لكنه في المقابل يدافع عنها. نورد مثلاً هنا برنامج «بلا تشفير» الذي عرضت منه لقطات من حلقة «البصارات». هنا، انتفض المهندس ساري الخازن ووجّه نقداً لبليق، فما كان من رباط إلا أن قاطع ضيفه قائلاً:«لا لا هوّي منيح أنا بتابعو»! وبالانتقال الى «النقد الذاتي» الذي استخدمه البرنامج، حضر The Voice KIDS الذي تعرضه mtv أيضاً، وأثيرت نقطة جوهرية عن كيفية استخدام هذا البرنامج أهدافاً سياسية بغية الترويج، لكن سرعان ما ضاعت الطاسة بين الضيوف وتحوّل الموضوع الى هزلي بحت.
«ع البكلة» الذي يعرض على «الجديد» كل سبت (تقديم الصحافية نسرين ظواهرة) كان كارثياً بامتياز. جزؤه الأول كان مستنسخاً عن فقرة «فلفل» التي لا تزال ظواهرة تقدّمها على موقع «النهار» الإلكتروني. اتسم هذا الجزء من البرنامج بأداء عنفي منفر، متضمناً نقداً فنياً. ولم يكن ينقص الصحافية اللبنانية سوى سوط لتؤدب به الوسط الفني! في مستهل الحلقة الأولى، هدّدت ظواهرة هذا الوسط بالقول «يزيحوا من الدرب» لأنها «عم ترصد منيح هالأيام». وختمت مقدمتها: «كلمة الحق ما بتخلي صاحب. بس I don't care». ما شهدناه في مستهل الحلقة لن يعدو كونه رشة «فلفل» من قبل ظواهرة، إذ تحولت بعد ذلك الى قاضية في الأخلاق لدى استضافة المغني جوّ رعد. ظاهر الفقرة تحدث عن «لوك» رعد الذي لا يعجب ظواهرة، لكنه خرج عن هذا العنوان لاحقاً ليضحي محاكمة أخلاقية للرجل. رافق ذلك حضور الاختصاصية النفسية سحر يعقوب التي راحت تفكك "حالة" رعد النفسية! لكنها خذلت ظواهرة حين قالت بأن ما يقوم به رعد يندرج ضمن «حرية تقديم الذات» كما يشاء. ولعلّ النافر في الحوار أو بالأحرى الملاكمة الكلامية التي جرت، أن الصحافية اللبنانية سمحت لنفسها بمحاكمة رعد قائلةً: "مش قادرة اتقبل style جو رعد (..)، ما فيك تقدم حالك متل ما إنت بدك (..) أنا ما بحب ابني يشوفك»! طبعاً، هذه الشخصية السلطوية النافرة التي تخرج عن أي أصول في المحاورة الإعلامية، قابلتها شخصية أخرى تقمّصتها ظواهرة، عندما دخلت الى منزل النجمة هيفا وهبي. والمعلوم أنّ ظواهرة من المقربين من هيفا وفريقها الإعلامي. هنا، بدت ازدواجية واضحة في هذا البرنامج، كنا في جزئه الثاني أمام عملية تبخير وتبجيل في الجمال والأناقة، ولم يوجّه لوهبي أي سؤال نقدي ولو عرضاً!
ومن برامج «الجديد» أيضاً، عودة أرزة الشدياق في «حلوة منك». نسخة منقحة عن «لول» الذي ظهرت فيه للمرة الأولى على شاشة otv مع هشام حداد، ولاقت شهرة واسعة، لتعود اليوم وتنفض الغبار عنه، وتعيد إنتاجه. مجموعة ضيوف من أهل السياسة والفن والسوشيل ميديا حضروا على طاولة الشدياق، وإلى جانبهم الكوميديان شانت كبكيان، وأنطوني حموي اللذان اشتهرا في برنامج Impractical Jokers على الشاشة نفسها. في المضمون، سيطر تصنّع الضحكات والنكات المستهلكة التي أكل عليها الدهر وشرب، وبدا قالب البرنامج مصطنعاً. ولعلّ أصدق ما قالته الشدياق في مستهل حلقتها "ما بدنا بروغرامات، ونحطّ إيدنا ع الجرح، بدنا نبعد عن السياسة والكهربا... ونجرب نضحّكم». المشكلة أنّ صناعة الترفيه بالنسخة المشوّهة التي نشاهدها على شاشاتنا، باتت تعني فقط السطحية واستغباء المشاهد. نسخة باتت تهدد صناعة الإعلام وتهبط بها الى درك مخيف.


* «منّا وبالجر» كل خميس 21:30 على mtv
* «حلوة منك» كل جمعة 20:40 على «الجديد»
* «ع البكلة» كل سبت 21:30 على «الجديد»

http://www.aljadeed.tv/arabic/episode/bekleh-1

http://www.aljadeed.tv/EpisodeDetails.aspx?PageID=110&EpisodeID=6454