مع تعاقب وزارء الإعلام في لبنان، تُثار «همروجة» كلّ مرة يتسلّم فيها وزير/ة تلك الحقيبة. لم تكد تمر ثلاث سنوات، على المشاريع الإصلاحية التي أطلقها الوزير السابق ملحم رياشي، على رأسها توحيد نقابتي «المحررين» و«الصحافة»، وفتح باب الانتساب إلى جميع العاملين في القطاع الإعلامي، مع إنشاء صندوق للتعاضد وحماية الصحافيين من الاستدعاء من قِبل أيّ جهة قضائية أو أمنية من دون العودة إلى النقابة، حتى بدأت موجة جديدة من الجدل تتصدرها هذه المرة وزيرة الإعلام منال عبد الصمد.
(كيلسي بورش ــ الولايات المتحدة)

مع تبوّؤ الأخيرة كرسي وزارة الإعلام، استطاعت في وقت لا يتعدى الأشهر من عمر حكومة حسّان دياب أن تتنقّل بمكوكية بين النقابات، وتطلق مواقف بالجملة تخصّ القطاع، وتثير الجدل والأخذ والرد بين الوزارة ومنظمات ومؤسسات تُعنى بالحريات وبالقطاع الإعلامي. آخر الخطوات، كان تنظيم الوزارة ما أسمته بـ«الحلقات التشاورية للتداول في حاضر ومستقبل الإعلام في لبنان»، في السراي الحكومي أوائل الشهر الحالي. توزّعت الحلقات على ثلاثة أيام وضمّت شخصيات وزراية ونيابية ونقابية ورؤساء مجالس إدارات القنوات المحلية وإدارات الصحف، وممثلين عن المواقع الإلكترونية، بهدف التداول في الخطة «الاستراتيجية» التي تستند إليها الوزارة و«رؤيتها التطويرية للنهوض بقطاع الإعلام بشقيه العام والخاص»، مع لحظ إدخال تعديلات على مشروع اقتراح قانون الإعلام الجديد. نقاط كثيرة في تلك الخطة، استطاعت إثارة الجدل في لبنان، وخلّفت مخاوف عدة لدى منظمات تندرج ضمن المجتمع المدني، أسهمت قبلاً في وضع مشروع القانون. هكذا، كنا أمام مشهدية تصل إلى حدّ التنافر بين ما تطرحه عبد الصمد، وما يجيب عليه هؤلاء، لا سيما بعد البيان الأخير الذي صدر، عن ست جمعيات ومؤسسات مدنية على رأسها «مهارات»، تردّ فيه على تصريحات عبد الصمد الإذاعية التي أدلت بها في 18 أيار (مايو) الماضي، وتدرج نقاطاً خلافية، تخص ملاحقة الصحافيين، وطرح إنشاء «هيئة ناظمة للإعلام»، ومنحها صلاحيات في مسألة إعطاء التراخيص للوسائل الإعلامية. أمر اعتبره البيان بمثابة «تقويض تحرير القطاع من براثن التسييس والامتيازات الزبائنية». هكذا اشتعل الخلاف مجدّداً مع إعادة إحياء مشروع قانون الإعلام الجديد، الذي بات عمره في اللجان النيابية يناهز الـ11 عاماً، وأشركت فيه وقتها جهات نقابية ونيابية وحقوقية واصطدم بعقبات جمّة أبقته أسير الأدراج. وها هو يخرج في الوقت الحالي من سباته، خلال النقاشات الأخيرة الحاصلة في البلد على هامش باقي الاضطرابات الأمنية والشعبية في الشارع، فهل تكون تلك الطروحات الوزارية مجرّد زوبعة في فنجان، أم أن هناك خطوات عملية من شأنها تطوير القطاع أو «تقويضه» تبعاً لنتيجة الجدل الذي تفجّر أخيراً؟
الجلسات التي دعت إليها منال عبد الصمد بحثت في ملاحظات الوزارة على القانون


في الثالث من حزيران (يونيو) الماضي، انعقدت في السراي ثلاث جلسات متعاقبة، خُصّصت للبحث في خطة وزارة الإعلام ونيتها إدخال تعديلات على مشروع قانون الإعلام، مع تأكيد عبد الصمد نيتها «التشارك لا الصدام» مع باقي الأطراف. جلسات بحثت في ملاحظات الوزارة على القانون الذي ـــ برأيها ـــ لا يشمل ثورة الاتصالات، ولا يدخل في نقاشات ما أسمته «الإعلام العمومي»، ويوسّع من صلاحيات «المجلس الوطني للإعلام» من دون أن «يبحث في دوره المهني». أما في اقتراحات الوزارة، فقد شدّدت على أهمية إدخال تعديلات قانونية على القطاع الإعلامي، لا سيما على المنصات الرقمية، وإلغاء وزارة الإعلام وإنشاء مكتب وزير دولة لشؤون التواصل كبديل عنها، إلى جانب اقتراح إنشاء هيئة ناظمة مستقلة للإعلام، «تحمي من التدخلات السياسية»، وتتمتع باستقلالية تامة، على أن يُنتخب أعضاؤها من قِبل الجسم الإعلامي، وحلّ بالتالي «المجلس الوطني للإعلام». ضمن توصيات الجلسات الثلاث، أعيد التركيز على وجود الهيئة الناظمة، كسبيل «لتحرير الإعلام من الوصايات والحمايات الطائفية والسياسية»، ودعم القطاع الإعلامي الذي يعاني جرّاء الأزمة الاقتصادية الخانقة. لعلّ من أبرز النقاط الخلافية التي اندرجت في التوصيات: «الدعوة إلى نص قانوني يسمح للمواقع الإلكترونية بتسجيل علم وخبر في وزارة الإعلام». أمر أُدرج في مشروع قانون الإعلام الجديد، كنصّ بعيد عن القوننة المباشرة، مع ضرورة الكشف عن صاحب الموقع ومصادر تمويله. ومن التوصيات أيضاً، توحيد النقابات التي دعا إليها سابقاً رياشي، وإنشاء صندوق للتعاضد.
نقاط أثرناها مع المستشار القانوني في «مؤسّسة مهارات» طوني مخايل الذي أسهم مع فريق المؤسسة في نقاش ووضع نقاط أساسية في مسودة مشروع قانون الإعلام الجديد، وردت مؤسّسته مع باقي الجمعيات المعنية على تصرحيات وزيرة الإعلام الأخيرة، واضعةً إياها ضمن خانة تقييد الحريات ووضع اليد على القطاع الإعلامي. مخايل علّق على فكرة «الهيئة الناظمة للإعلام» واصفاً إياها بـ«الهرطقة القانونية»، بما أن تلك الهيئات عادة ما تنشأ في مرافق الدولة العامة، وفي القطاعات الخدماتية كالكهرباء والاتصالات. ووفق مخايل، تسعى هذه الخطوة إلى تعاطي الوزارة مع القطاع الإعلامي على أنه مندرج ضمن ملكية الدولة، وهذا لا يصحّ أبداً على الوضع الإعلامي الحالي، مع تشديد في المقابل، على ما تضمنه القانون الجديد، من توسيع صلاحيات «المجلس الوطني للإعلام»، ليضحي سلطة تقريرية، من دون الحاجة إلى العودة إلى مجلس الوزراء. ويتطرق هنا إلى ما حصل أخيراً في المجلس، والانتقادات التي طالته مع نيته وضع اليد على وسائل الإعلام الإلكترونية، والترخيص لها، معتبراً أن هذه الوسائل يجب أن لا ترخَّص، بل يجب أن تشتغل على أساس تنظيم ذاتي، وتكتفي بالكشف عن سجلها الإلكتروني، وعن تمويلها وأسماء أصحابها.
يتخوّف مخايل ومن خلفه مؤسسات حقوقية أخرى معنية بالقطاع، من محاولة الوزارة تقييد الحرية الإعلامية، لدى تكرار عبد الصمد مراراً عن الترويج للأخبار الكاذبة عبر وسائل الإعلام والتلويح بكيفية ضبطها لا سيما الإلكترونية منها، ليكون ذلك مدخلاً على باقي النقاط، من ضمنها التعديلات التي اقترحتها وزارة الإعلام، على رأسها التراخيص للإعلام الإلكتروني، والتخوف من الدخول في انتقائية التراخيص تبعاً للمصالح الحكومية. وينتقد الوزيرة، في إهمالها لمواد أساسية في قانون العقوبات، الذي يحمّل «مواد مقيدة لحرية الإعلام، حاول مشروع القانون الجديد التخفيف منها، من ضمنها جرائم التشهير، و«المسّ بدولة أجنبية»، وتجنّب إدخال الصحافي إلى السجن». أمر رفضته «لجنة الإعلام والاتّصالات» سابقاً، ويجري الحديث عنه في الوقت الحالي مع رئيس اللجنة النائب حسين الحاج حسن، الذي قال في الجلسة الثانية لنقاشات السراي، بأنه يؤيّد إلغاء «عقوبة السجن للصحافيين». مع هذه الخلافات الجوهرية التي طفت أخيراً إلى السطح، يتفق الأطراف على ضرورة تحديث مشروع القانون الإعلامي، بما يتوافق مع مجريات الثورة الرقمية، وضرورة تعريف الصحف الرقمية، وحتى القنوات التي تنشأ على الويب. ويبقى في خلاصة الجدل القائم حالياً، تصويب النقاش حول نقاط أخرى تخصّ ضمانات الصحافيين، وتأمين حصانة نقابية لهم، في ظل الظروف التي يتعرضون لها، مع وضع اقتراحات ونقاشات الوزارة ضمن «العراضات»، بما أن «الحكومة لم تبادر ولا مرة عن حسن نية تجاه الإعلام» بحسب مخايل.