غزة | سقط القناع عن قناة «I24» الاسرائيلية وتكشّفت كل خيوط لعبتها. المحطة الناطقة بالعربية التي تتّخذ من ميناء يافا مقراً لها، حاولت طويلاً التلطي خلف عباءة الحياد والوقوف على «مسافة واحدة من الإسرائيليين والفلسطينيين». سوّقت بأن هواءها المباشر ليس وقفاً على جماعة بعينها، بل يرحّب بالمختلفين معها. هكذا، سارت مراسلة المحطة من حيفا عناب حلبي على الطريق ذاته في تقريرها «الخدمة المدنية في المجتمع العربي في إسرائيل»، الذي بثّته القناة أخيراً. ظنّت حلبي أنّ منح المعارضين للخدمة المدنية مساحةً في تقريرها سيضفي عليه طابع الموضوعية، إلا أنّها ختمت تقريرها بــ «تبقى الخدمة المدنية نشاطاً يتخطى البعد السياسي والقومي ليطاول الكيان الإنساني، لما له من تداعيات وتأثيرات إيجابية تقود إلى المنفعة العامة والارتقاء بالمواطن نحو الأفضل». حصرت حلبي نفسها في مربع المؤيدين لـ «الخدمة المدنية»، التي تعدّ بديلاً عن «الخدمة العسكرية» في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
أقحمت رأيها لتستقطب المشاهدين وتوجّههم إلى الانخراط في الخدمة المدنية بداعي «حب المجتمع والخير». سلّطت الضوء على الشابة أحلام أبو غوش من قرية المغار في الداخل المحتل، التي حزمت أمتعتها وودّعت كندا، حيث كانت تقيم، لتأتي إلى فلسطين كرمى لعيون الخدمة المدنية! حاولت حلبي عقد مقارنة بين معسكري التأييد والمعارضة للخدمة لإثبات «حياديتها»، لكنها لم تفلح، إذ صوّرت الواقع بطريقة موجّهة للترويج لحملات أسرلة الفلسطينيين. ثم منّنت يامن زيدان وميسان حمدان الناشطين الرافضين للخدمة المدنية والعسكرية، باستضافتهما في تقريرها. لم ينطلِ كرم حلبي على زيدان وحمدان اللذين منحتهما 40 ثانية مقابل أكثر من دقيقتين لنماذج شبابية انخرطت في الخدمة المدنية.
أثار هذا الأمر سخط حمدان، التي وجّهت رسالة تأنيبية إلى حلبي على الفايسبوك، قائلةً: «برغم ظهوري في التقرير والتأكيد على موقفي تجاه الخدمة المدنية والعسكرية، إلا أنك اخترت عزيزتي عناب التركيز على جزء بسيط من حديثي، وحديث رفيقي يامن زيدان، مقارنةً بالجهة المناصرة للخدمة المدنية، وقد حُذف الجزء الأكثر أهمية بنظري، الذي يؤكد علاقة الخدمة المدنية بالخدمة العسكرية ووزارة الأمن، كما جرى تجاهل الحديث عن السياسات الإسرائيلية المجحفة بحقّنا، التي تسعى إلى اقتلاعنا من هويتنا وتهميش مكانة المرأة». وكانت حلبي قد ضلّلت يامن زيدان حين أخبرته أنّ i24 قناة أوروبية كي يطل في تقريرها. الأسلوب ذاته اتبعته مع الكثير من الشخصيات الوطنية لقبول الظهور على شاشتها، وخصوصاً أن شركة «هوت» الإسرائيلية، التي يمتلكها صاحب المحطة الفرنسي باتريك دراهي، أسّست شركة «أخبار الشرق الأوسط»، وسجّلتها في لوكسمبورغ، لتعمل المحطة تحت جناحها.

تهدف المحطة إلى تصوير اسرائيل كـ «واحة الديمقراطية في المنطقة»


هكذا، تذرّعت القناة بترخيصها الأوروبي لإخفاء هويتها الايديولوجية الحقيقية. منذ انطلاقها في تموز (يوليو) الماضي، حاولت المحطة استقطاب مراسلين عرباً للعمل معها، لكنها أخفقت في ذلك، وبقي كادر القسم العربي متواضعاً نسبياً، برئاسة سليمان الشافعي، الذي كان يعمل مراسلاً للقناة الإسرائيلية الثانية من قطاع غزّة. الكادر المتواضع جاء متناغماً مع المساحة المحدودة للنشرات الإخبارية والبرامج الناطقة بالعربية على الخارطة البرامجية للمحطة الناطقة بالإنكليزية والفرنسية أيضاً. وتتوّزع هذه المساحة على نشرة إخبارية (8 مساءً)، وموجز للأنباء على مدار 4 ساعات (بين 7و11 مساءً)، إضافةً إلى برنامج «مناظرة» يستضيف وجهات النظر المتعاكسة لمناقشة حدث مهم. وبالطبع، يفترض أن يكون جمهور القناة من «من كارهي «إسرائيل» لا محبّيها، بهدف إيصال «إسرائيل» إلى العالم، والعالم إلى «إسرائيل»، باعتبارها «واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة»، بحسب ما يروّج مدير المحطة فرانك ملول. علماً أنّ ملول كان مستشاراً إعلامياً لرئيس الحكومة السابق دومينيك دو فليبان، ومديراً للاستراتيجية في قناة «فرانس 24». ولتحقيق ذلك، تتقمّص المحطة دور التعاطف مع الفلسطينيين ومناصرة حقوقهم ودعم فكرة التعايش السلمي، فتنشر أخباراً ومقالات على موقعها الإلكتروني، على شاكلة: «خبير أممي يتهم إسرائيل بالتطهير العرقي ضد الفلسطينيين»، و«رئيس عربي لإسرائيل بين الحلم والواقع». تسعى المحطة جاهدةً إلى انتقاء الألفاظ التي تحرّك عواطف الفلسطينيين وتخدعهم بمبدأ المساواة بينهم وبين الإسرائيليين. على خطٍ موازٍ، تركّز المحطة على ما تراه اضطهاداً يتعرّض له بعض الطلاب الإسرائيليون في الجامعات الأجنبية. مثلاً تنشر خبراً بعنوان «نعتوني بالنازية 4 مرات خلال يوم واحد». تهدف من وراء ذلك إلى مخاطبة الفلسطينيين بأن مصيرهم ومصير عدوّهم واحد! في ظل غزّو هذا الإعلام، يتساءل الكثير من الفلسطينيين «متى ستولد محطةٌ باتجاه معاكس؟»


يمكنكم متابعة عروبة عثمان عبر تويتر | @OroubaAyyoubOth