كثر الكلام عن مقالة سليم بركات: «محمود درويش وأنا»، وخصوصاً عن إفشائه سراً يقول بأنّ محمود درويش أسرّه له، وهو أن له ابنة من امرأة متزوجة، ولم يعترف بها. العنوان دال على أن بركات يريد بيان علاقته بدرويش، وتفيد قراءة المقالة أنه يريد أن تكون هذه العلاقة علاقة أبوة درويش له؛ فهو ـــ كما جاء في المقالة ـــ ابن درويش، وابنه حفيده. غير أن المفارقة تتمثّل في أن درويش يقرر، كما جاء في المقالة، أن «محمود بلا أبوة» وأنه ــ أي درويش ـــ لا يريد أن يكون أب أحد، وأن له ابنة لم يعترف بها، لأنه يريد أن يكون من دون أبوة.وهذا يعني رفضاً لادّعاء بركات بأبوة محمود درويش له، فكأن درويش عندما يسرّ له بأنه لم يعترف بأبوة ابنته، يقول له: إذا كنت لم اعترف بأبوة ابنتي، فكيف أعترف بأبوتي لك؟ لعل درويش اخترع هذه القصة لهذا الغرض، فالمعروف عنه أنه كان يجيد اختراع القصص، واستخدامها للتخلّص من الإحراج في مواقف معينة.
ماذا يريد بركات من أبوة درويش له؟
يريد بركات أبوة انتماء وهوية، وهو يسعى إلى تحقيق ذلك من غير طريق، ولعل هذا يجعلنا نفهم قصده إلى الصناعة اللغوية، وهي صناعة متكلفة جافة فائضة عن الحاجة، غريبة على مستويي المعجم اللغوي والتراكيب، ولا تخلو من حذلقة. يقصد بركات الى هذه الصناعة اللغوية، كما يقول في موضع آخر «ليعبّر عن خصوصيته بوصفه كردياً». ويقول له محمود درويش، في قصيدته المعروفة: «ليس للكردي إلا الريح»: «باللغة انتصرت على الهوية/ قلت للكردي: باللغة انتقمت/من الغياب...». يريد بركات أن ينتقم من الغياب وأن ينتصر بالحضور؛ في جدلية فاعلة بين هذين المكونين؛ من طريق أبوة الشاعر العربي الكبير، لكن هذا الشاعر يقول: «أنا هنا، وما عدا ذلك شائعة ونميمة». ويقول: «أنا أب، لكن لا شيء يشدّني إلى أبوة». ومن طرق أخرى، منها: امتلاك اللغة وصنعها، وتضخم «الأنا» ومركزتها، وامتهان الإثارة، والهتاف لأجلها، كما جاء في عنوان ديوانه الأول: «كل داخل سيهتف لأجلي، وكل خارج أيضاً».
السؤال الذي يُثار هنا: لماذا يريد بركات، ليحقق حضوره وهويته، «أبوة» درويش، وليس أبوة أدونيس؛ وهو، في المرحلة الأولى من مساره الشعري، «ابن» لأدونيس وليس لدرويش، سواء على مستوى الشعرية، أم على مستوى التبنّي، فقد نشر أدونيس ديوانه الأول، سنة 1973، عن «مواقف»، وتبناه، بعدما خرج من دمشق سنة 1971 إلى بيروت؟
قد يكون الجواب: أنّ بركات، وهو الأقلوي الكردي، يسعى إلى أبوة عربية جامعة يمثلها درويش، وليس إلى أبوة أقلوية خارجة يمثلها أدونيس. وقد تمثّلت هذه الإرادة بخروج بركات على المستويين: الشعري والعملي إلى الانتماء العربي الجامع، فتميز على المستوى الشعري بتجويده اللغوي، وعلى المستوى العملي بالعمل في صفوف الثورة الفلسطينية.
هل نقول: إنّ قصة الأبوة هذه هي سعي من أجل الانتصار على الغياب؟.