القاهرة | لسنوات طويلة، شغلت مسلسلات السيرة لمشاهير الفن والمجتمع مساحة كبيرة من الدراما المصرية، قبل أن تغيب، فجأة خلال السنوات الأخيرة الماضية، فيما بدا أنه اعتراف بعدم نجاحها وملل المشاهدين منها. لكن خلال الأسبوع الماضي، انطلقت، أو تجدّدت، مجموعة من الأخبار حول مسلسلات سير تتمّ كتابتها أو الإعداد لتصويرها، منها أعمال عن حياة رجل الأعمال والصناعة طلعت حرب الذي يطلق عليه «مؤسس الاقتصاد المصري»، والعالم أحمد زويل، الحاصل على نوبل، والموسيقي والمغني والممثل محمد فوزي، والموسيقي والمغني والممثل فريد الأطرش، والمغنية المصرية الفرنسية داليدا، والممثلة زبيدة ثروت، وأخيراً الممثل أحمد زكي (1949 ــ 2005). إذ أُعلن أن حياته ستظهر في مسلسل يحمل اسم «الإمبراطور»، وأن شخصية النجم الراحل سيلعبها الممثل محمد رمضان، وسيُخرج العمل محمد سامي الذي صنع لرمضان أعماله الأخيرة.
محمد رمضان

وتردّد أن السيناريو سيكتبه وحيد حامد، قبل أن يتم التعاقد على كتابته مع بشير الديك، أحد أصدقاء زكي، وكاتب سيناريوهات عدد من أنجح أعماله. من بين كلّ الأعمال السابقة والجدل الذي ثار حولها، كان لمسلسل أحمد زكي النصيب الأكبر من الأخبار والتعليقات والخلاف الذي ملأ وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، وانصبّ معظمه على شخصية محمد رمضان، وما إذا كان يصلح أم لا يصلح لتجسيد شخصية النجم الأكثر شعبية لدى المصريين، حتى بعد مرور ما يقرب من خمسة عشر عاماً على رحيله. وقد تجدّدت الأحزان عليه عقب وفاة ابنه الوحيد هيثم، الذي كان ممثلاً محبوباً أيضاً، في العام الماضي. من الطريف أن محمد رمضان هو صاحب المشروع مع المخرج محمد سامي، وأن رمضان من بين الممثلين الحاليين، هو الأكثر شبهاً بأحمد زكي، وحتى أداؤه التمثيلي طالما قورن بأحمد زكي خاصّة في أعماله الأولى. لكن رمضان شقّ طريقاً مختلفاً، يراه بعضهم مناقضاً لمسيرة أحمد زكي، من خلال أعمال «شعبوية» تروّج للعنف و«البلطجة»، وكذلك قيامه بأداء أغنيات عدّة يراها بعضهم «مستفزة» ومبتذلة. تضاف إلى ذلك طلّته وملابسه وطريقة كلامه وآراؤه في زملائه... كلّها أشياء طالما أثارت غضب البعض وسريان انطباع يردّده كثيرون بأن محمد رمضان هو المسؤول عن انتشار العنف والسوقية وكل مشاكل المجتمع المصري.
الجدل الذي أثير في وسائل الإعلام عقب إعلان الخبر على قناة «سكاي نيوز عربية»، سرعان ما انتقل إلى تويتر بعد قيام رمضان بوضع تغريدة بخبر عن المسلسل مصحوبة بمقطع قديم من حوار له يقوم فيه بتقليد أحمد زكي، ثم ظهور هاشتاغ مجهول المصدر يقول: «محمد رمضان أفضل من أحمد زكي» تسبّب بالطبع في غضب كثيرين وهجومهم على رمضان.
في الحقيقة، تغيب عن المنغمسين في هذا الهجوم أشياء عدة منها أنّ هناك فارقاً بين الممثل والشخصيات التي يلعبها، خاصة أن العمل لم يُصنع بعد، وربما يؤدّي فيه رمضان، أو لا يؤدّي، الشخصية جيداً. وفي الحالتين لا علاقة لذلك بشخصية الممثل محمد رمضان أو أعماله الأخرى «المستفزة». الأمر الثاني هو أن رمضان يحاول منذ فترة، تحت ضغط الهجوم عليه، أن يعدّل من مسار أعماله والشخصيات التي يلعبها لكي يتجنّب الاتّهامات التي توجّه له بإفساد المواطنين، وقد ظهر ذلك بوضوح في مسلسله الأخير «البرنس»، ومن قبل في فيلم «جواب اعتقال». الأمر الثالث هو الفارق الزمني بين زكي ورمضان، فكلّ منهما هو ابن البيئة والمناخ الذي ظهر فيه وحالة السينما والثقافة السائدة، ولو تصوّرنا أن أحمد زكي سيبدأ حياته الفنية الآن، فمن المؤكّد أنها ستصبح مختلفة تماماً، وكذلك شخصيته كممثل.
المنغمسون في الجدل لم يتوقفوا كثيراً عند أسئلة أخرى منها: هل حياة أحمد زكي الممثل تصلح لعمل درامي من ثلاثين حلقة؟ وهل سينجح صنّاع العمل في استخلاص مادة درامية مثيرة من هذه الحياة، أم سيكون شغلهم الشاغل، كعادة معظم أعمال السيرة في العالم العربي، هو «تمجيد» الشخصية وإضفاء صفات الكمال عليها وتجنّب أيّ أمور حميمية أو «درامية» فعلاً في حياته؟
أحمد زكي

هذه الأسئلة أثارها موقف الأخ غير الشقيق لهيثم أحمد زكي، رامي عز الدين، ابن الممثلة الراحلة هالة فؤاد، طليقة أحمد زكي وأم هيثم، التي اعتزلت الفن وماتت في سن صغيرة. وبما أن رامي أصبح الوريث الشرعي الآن عقب وفاة هيثم، فقد اعتبر نفسه مسؤولاً عن مضمون المسلسل، وأدلى بتصريحات يُملي فيها شروط موافقته على العمل، على رأسها عدم ظهور شخصية والدته هالة فؤاد! هذه الشروط التي يطلقها عادة ورثة أيّ شخصية مشهورة، بغضّ النظر عن أحقيتهم القانونية في التحكّم في سيرة أقاربهم الراحلين، طالما تسبّبت في إفساد عشرات من أفلام ومسلسلات السير، خاصة عندما نضع في اعتبارنا خوف صناع الأعمال الدرامية من المقاضاة ومن الرأي العام ومن فهمهم المحدود لدراما السيرة، باعتبارها عملاً «تجميلياً».
ربما ينجح محمد رمضان، أو لا ينجح، في أداء شخصية أحمد زكي، ولكن قبل هذا كله، هل يستطيع بشير الديك ومحمد سامي أن يقدّما معالجة درامية قوية لحياة إنسان عانى كثيراً في مسارات حياته العائلية والفنية والعاطفية؟
المعطيات المتوافرة عن مسلسلات السير السابقة وعن أنواع الوصاية التي تمارَس على هذا العمل من قبل كتّابه وأسماء المشاركين فيه، لا تبشّر بالمرة أننا سنرى عملاً إبداعياً درامياً يليق بسيرة أحمد زكي!
ونتمنّى أن تكذّب الأيام والمسلسل ظننا!