«أجراس الوباء» هو عنوان كتاب جديد صدر عن «منشورات المتوسط» (متاح مجاناً على «منصة أبجد»)، وقد ذيِّل بعنوان فرعي هو «الأناركية الاصطناعية وإعادة تكوين العالم». الكتاب من تأليف مجموعة من الكتّاب والمفكرين العرب مع مشاركة لكاتب تركي وآخر إيطالي، وقد أعدَّه وقدم له الكاتب نوري الجراح. يتشكّل العمل من مجموعة مقالات تناولت جائحة كوفيد 19، هذا العدو الذي عطّل العالم بأسره حتى إشعار آخر بالحياة! ومع أن معالم مستقبلنا مع هذا العدو لم تتّضح بعد، إلّا أن مقالات الكتاب تحاول تحليل الوضع، مستندة إلى العلم وإلى تشكيل نظرة مختلفة عن كوفيد 19. في المقدمة، انتقد نوري الجراح كلاً من جيجك وتشومسكي وكيسنجر، الذين صوروا نهاية مأساوية للعالم بعد كورونا، في حين أن العالم تصدّى سابقاً لأوبئة كثيرة، مضيفاً «أنهم لم يأتوا بالجديد بل أعادوا صياغة أفكارهم القديمة».

وفي «رؤيته لأوروبا التي ترى نفسها أنها مصدر العالم»، أورد أحمد برقاوي أن وباء كورونا الذي يهدّد العالم استطاع أن يوقظ ضمير العالم، طارحاً سؤالاً عن إمكانية امتلاك الإنسان للطبيعة علميّاً من دون أن يفكّر بمصيره. كما انتقد فشل دول العولمة في حماية حياة الإنسان، متوقّفاً عند اغتراب الأخير في عالم الرأسمالية، فهو يرى أنها تسعى لحرق الحياة وتحطيم إرادة الإنسان. وانتقد كذلك من ينسبون الكوارث لغضب الله، فبرأيه هذه فكرة قديمة واصفاً ذلك بالجهل المقدّس ومعلَماً من معالم الغباء التاريخي. بعده، يضع أبو بكر العيادي جشع الإنسان على طاولة التشريح، فهو الذي دمّر البيئة؛ ويرى أنّ ذلك من عواقب النِّيُوليبراليَّة التي غزت العقول وحوّلتها إلى كائنات مستهلكة. كما أشار إلى أن العلم «وحده الذي يحدّد ما سيكونه عالم ما بعد كورونا». في المقابل، تذهب لطفية الدليمي إلى أن ما يحدث بسبب الجائحة، ينطوي على شيء من الخيال العلمي، لتتطرق إلى فريمان ديسون والتقنيات التي شرحها في كتابه «تِقْنِيَّات الطاقة الشَّمسيَّة، الهندسة الوراثية، والشبكة التَّواصليَّة العالَمية/ الإنترنت»، التي من شأنها المشاركة في سياسات تساهمية عالمية.
أما إبراهيم الجبين، فيرى أن سكان العالم كانوا يعيشون في عالمَين مختلفين، عالم كان صامتاً عن كلّ ما يحدث من مصائب، وعالم آخر يعاني منها بصمت ومثاله عن ذلك الأزمة السورية. وقد وحّدت جائحة كورونا ذلك الشعور بالخوف. كأن الجبين بذلك يستعيد عبارة: «‏يجب أن يغيّر الخوف معكسره». غير أن الخوف هنا لم يغير معسكره، بل وحّد الشعور به عالمياً. من جهته، تحدث خلدون الشمعة عن التجربة السُّوريَّة، قبل الجائحة المَرَضِيَّة وبعدها.
كتّاب أجانب وعرب ينكبّون على تحليل تداعيات كوفيد 19


الناقد الفلسطيني فخري صالح يرى أن الفيروس التاجي عرّى هشاشة الأنظمة الصحِّيَّة في بلدان العالَم الأوَّل، وعرى إنسانيتها أيضاً، مستخدماً مصطلح الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين «الوجود العاري». وأكد أن الإنسان هو المتسبّب الوحيد في كلّ شيء، خاصة بسبب عبثه بالطبيعة. وذكّر بما قاله نعوم تشومسكي في تصوّر عالم مختلف بعد الجائحة، نتحرّك قدماً من أجل صنعه.
الأمر ذاته تؤكّده نادية هناوي التي ترى أن كورونا هو ردّ فعل الطبيعة على ما اقترفه الإنسان بحقها، إذ وجد نفسه في مواجهة أعجوبة فيروسية فاقت كل الأعاجيب. وأثارت نقطة مهمّة، هي خواء النظام العالمي الذي لم يكن إنسانياً بالمرة، ودعت إلى استفادة البشر من هذا الدرس جيداً، وأن يكون حقّ الحياة على هذه الأرض مكفولاً لكلِّ كائن حَيٍّ مهما صغر. محمد آيت ملهوب تمنّى من البشر أن يعيدوا حساباتهم بعد هذه التجربة الأليمة ليسهموا في بناء غدٍ أجمل ويقدّسوا البيئة. ولعلّه يمكن اختصار مقالة مفيد نجيم في عبارة يوردها هي «الإنسان ابن الحكاية البشرية الذي لا يريد أن يفارقَ مَتْنَها، وقد استحوذ على بطولتها بلا منازع قاتلاً وقتيلاً».

أركاديو ــ بنما

نهلة راحيل شدّدت على وجوب عودة خطاب الإنسانية، فيما رأى يوسف وقاص أن الماضي هو الجهل، والحاضر هو البحث، والمستقبل هو التقدم. ويشاركه الرؤى ذاتها محمد صابر عبيد حين يقول: «إن العلم يبتكر ويخترع ويكتشف ما تحتاج له الحياة في ظلِّ ظروف مناسبة ومواتية وصالحة». ويتحدّث ممدوح فراجي النابي عن تشكيل إنسان ما بعد كورونا بكلِّ أزماته الصحِّيَّة والنفْسيَّة، ويثبت هيثم حسين اعتقاده بأن الكارثة الراهنة جعلت الجميع لاجئين في بيوتهم، لذا أصبح للجوء مفهوم عالمي.‬ أما حميد زنار، فقد دعا إلى نشر الوعي الإيكولوجي في الكوكب بأسره، في حين ذهب المتوكل طه إلى أنّ هناك تغييراً سيطرأ على العالم بأسره. يقول: «ثمَّة ترتيب جديد يُعَدُّ لدول العالَم». أما فارس الذهبي، فقد وضع تصورات مثيرة فعلاً لعالم ما بعد الجائحة، وعزّزها مخلص الصغير الذي يقول «إن تغييب قيم الإنسانية في تدبير الجائحة نتج عنه انهيار أخلاقي»، ليحلل حاتم الصكر الوضع بشكل مختلف تماماً حين يقول إن «العالَم يعترف بعَجْزه عن حرب هذا العدوِّ الخفيِّ». غير أن أزراج عمر له رأي آخر حول الجائحة، إذ «تمكن حَدَثُ كورونا من إرباك الذكاء العلمي الذي كان الغرب يفخر بأنه هو مَنْ يملك أسرار مفاتيحه». ويتناول مصطفى الحداد في مقالته كتاب سلافوي جيجيك عن الجائحة الذي ينتقد فيه جيورجيو أغامبين، كما دعا إلى التفكير في مجتمع آخر بديل. تصبّ مقالة التركي بلال السنبور في إيجابيات الجائحة وكيف قربت الناس من أنفسهم بغية اكتشافها من جديد وإيجاد طرق مستحدثة تجنّبنا الكوارث. أما عبد الرحمن بسيسو، فيظن أنه مهما كانت خطورة الفيروس التاجي إلّا أن هناك أخطاراً أكبر تهدّد البيئة كالأسلحة النووية.
من اللافت في الكتاب دراسة الفيلسوف الإيطالي إيمانويل بوتَّاتسي غريفوني المعنونة «الأناركية الاصطناعية» وهي أطول مقالات الكتاب، وقد استخدم نموذج الذئب والكلب في الثقافة السومرية، فالذئب المرتبط بالحرب والمجاعات والأوبئة، والكلب المرتبط بالصحة والرعاية، وشرح تلك المقاربة بطريقة تتماشى مع ما أفرزه كوفيد 19. الحقيقة أن جلّ مقالات هذا الكتاب بقدر ما تفيد القارئ وتقرّبه من فهم هذا الواقع، فإنها تخيفه بشكل ما، لأنها تشعره بخطورة ما أحدثه كوفيد 19. ذلك أنّ الكتاب يتناول أفكار ورؤى كتّاب عرب وأجانب من زوايا مختلفة. ونحن بأمسّ الحاجة إلى فهم ما يحدث بطريقة تجعلنا نعيد حساباتنا في العديد من الأمور، من بينها جدوى أن نتقِن فنّ العيش على مسافة من الخطر.