لقد كانت سنةً تحوّليّة، لكأنّنا خرجنا معاً من باب الصّف، لندخلَه من نافذة افتراضيّة، فنَجِد أنفسَنا في نَفَقٍ بينَ ضَوءين: ضَوء المدرسة الأولى، وضوء الشَّاشات المحمولة. فهل نعبرُ، أو تَغمُرُنا عتمة هذا القرن الذي ينطحُ باسم التكنولوجيا، ويطيحُ بالمجتمعات والإنسان، وعوضاً من أن يُنمّي مهارات التعلّم الذاتي، وحسّ المسؤوليّة الفرديّة والجماعيّة، فإنّه يعزّزُ الانقسامات والوحدة والوحشة والأنانية والشّخصانية؟
فجأة، تفتّحت عيوننا، تركنا ألعابنا الأُولى، استبدلناها بشاشاتٍ محمولة، صارت جواز سفرنا إلى عوالم افتراضية. أدخلتنا بيوت الآخرين وأفقدتنا بيوتنا.
تركنا أصدقاء حقيقيّين، لنعاشرَ آخرين افتراضيّين. صارت لقاءاتنا باردة، خالية من التفاعل. فَقدنا إحساسَنا بمن هم حولنا. وعوضاً من أن نعيشَ الـمُناسبات واللّحظات، أخذنا لها صورة.
صارت عواطفنا تغريدات، تعازينا تغريدات، ومشاعرنا رسائل وتعليقات...
إذا تزوّج أحدُنا، نُهَنِّئُهُ في تعليق. وإذا التقيناهُ في الطريق، لا نُلقِي عليه التّحيّة.
نشارك الصور والفديوهات، ولا نتشارك الواقع والحياة.
أصبحنا مدمنين، عيوننا مفتونة بصور تمرّ بسرعة، تُقَلِّب العالمَ، تُقَلِّبُ المفاهيم، وتَهُزُّها.
صرْنا نَكرهُ الألعابَ الفطرية البسيطة، نَلجأُ إلى ألعاب دموية، تُرِينَا أن الحربَ لعبة، والموتَ تَسلية، والقتلَ ربح ورصيد.
فَهل نَتركُ عقولَنا تَعلَقُ كحَشرة في شبكة الخيوط العنكبوتيّة؟
نحن الجيل الذي سَيعبُر، ويُعلنُ فجرَ نظامٍ تعلّميٍّ جديد، ركيزته المجتمع والإنسان.
ستصير الإنترنت دليلَنا إلى عالم المعرفة والجمال، لكنها لن تسلبَ منا الواقع الذي سنعيشه بتفاصيله.
سنُدخل التكنولوجيا إلى بيوتنا، ولن نهجرَها.
التكنولوجيا سريعة.
سنلحق بها.
لكن، الذي يركُضُ بسرعة، لا يرى جمالَ الطريق

* شاعر وأكاديمي

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا