الورشة انطلقت قبل أسابيع. زياد الرحباني في «كازينو لبنان» لتقديم حفلتَين، من شأنهما إعادة الاعتبار لليالٍ مرموقة كان يحتضنها الصرح الشهير، قبل أن ينحدر في السنوات الأخيرة إلى تفاهات استعراضية، رغم وجود استثناءات (فرقة Count Basie التي زارتنا عام 1998).
زياد هذه الفترة مالئ الدنيا بالإطلالات الإعلامية والفنية وشاغل الناس بما يطلقه في الأولى من تصريحات وبما يقدّمه من جمال في الثانية. متابعته بين النشاطين الإعلامي والفني أمرٌ صعب، وأحياناً مستحيل بسبب تزامُن حدثَين أو أكثر. مثلاً، مساء الأحد المقبل، سيكون في أدما والمعاملتين وكورنيش المزرعة. على شاشة lbci الجزء الثاني من برنامج «المتّهم»، وعلى مسرح «الكازينو» الحفلة الثانية، وفي «صوت الشعب» الحلقة الثالثة معه من برنامج «صوت الشعب» (مع لوركا سبيتي). هنا يمكن اللعب على ما يمكن تعويضه («المتهم» و«صوت الشعب») لتسهيل الاختيار، وخصوصاً أن الموعد الموسيقي مذهلٌ لناحية البرنامج والفرقة وبعض الفنانين الأساسيّين المشاركين فيه إلى جانب زياد.
ارتجالات وتوزيعات جديدة
وأعمال قديمة
نبدأ مع الفرقة. تتألف من أكثر من 40 فرداً (بينهم ممثّلون) من: هولندا، سوريا، مصر، أميركا، لبنان، وأرمينيا... النواة الأساسية فيها تتألف من آلات النفخ. أضف إليها الكورس الذي يشكّل نقطة محورية لناحية الغناء الجماعي، إذ يتخطى عدد أعضائه العشرة. الفرقة عموماً كبيرة في فئتها، ومتوسطة نسبةً إلى أوركسترا كلاسيكية. لذا كان ضرورياً بأن تحظى بضابط إيقاع قدير، أي بـ«قائد أوركسترا خلفي» إذا صحّ التعبير، وهذا ما يؤمّنه عازف الدرامز الهولندي أرنو، «دينمو» حفلات وتسجيلات زياد (وفيروز) المهمّة منذ عقد ونصف. أما المغنيات الأساسيات فهن: مايا دياب، الفرنسية دييز (راجعوا «الأخبار» السبت الماضي) والأميركية سيندا رامسور. بالنسبة إلى سيندا، لا نقاش حول القيمة الصوتية المضافة التي تقدّمها. أما في ما يخصّ مشاركة مايا دياب ودييز فنوَدّ أن نلفت إلى أمر وحيد. في الواقع، يعتقد المنتقدون (منهم باسم فغالي) أنهم اكتشفوا البارود في انتقاد قدرات مايا الفنية. لكن، هل هكذا نقارب مسألة بهذه الدقة؟ ربما! لكن نحن لدينا رأي آخر. يؤمن زياد، لينينياً، بأنّ معركة التغيير تحصل على جبهتَين: من الداخل والخارج... وكرّر ذلك مليون مرّة. هذا في السياسة. أما في الفن، فيطبِّق زياد هذا المبدأ اللينيني تطبيقاً دقيقاً وأميناً لتعاليم أبي الشعب الروسي، مع محاولة تخفيف الأضرار التي تترتب عن هذه المعركة قدْر الإمكان. قبل الأسماء، هذا المبدأ يطبقه زياد لمجرد عمله في مجال الأغنية الشعبية. للتوضيح، الجبهة الخارجية، أو العمل من الخارج هو الجاز والكلاسيك، أو بشكل أشمل أي موسيقى صامتة. الجبهة الداخلية هي النجوم، «المنتخبون» قسراً (أي بفعل الميديا) من الشعب. كيف نحسِّن جمهور الأغنية الشعبية الهابطة؟ بكونشرتو تجريبي؟ كلا، بل بأغنية شعبية راقية تصل إلى الأذن عبر القنوات ذاتها التي تتسلل منها الأعمال التجارية إلى الأذن، علماً بأن الرأي السلبي في التعامل مع مايا دياب (يعود إلى 2009) لم يكن بهذه الحدّة قبل الثورة السورية (ونِعْم الحِرْص الفنّي)! بالنسبة إلى دييز، المسألة مشابهة، والهمّ واحد، لكن يضاف إليهما بُعدٌ أساسي (في لغة اليسار: بُعدٌ أمَميّ) هو الوصول إلى جمهور عريض، لكن خارج الحدود. وبما أننا في زمن الصوت والجسد، فدييز هي التي تصنع نجومية زياد في فرنسا وليس العكس! في لبنان هو معروف، لذا فمايا ليست وسيلته للوصول إلى الناس، بل وسيلة لتصحيح ذائقة من ضلّوا الطريق.
ماذا عن البرنامج؟ نحن في الكازينو. إذاً، لنلعب قليلاً. سنعطيكم كذا «تعليمة»، لكن يبقى طبعاً هامش الحظ البحت، أي ما قد يطرأ من حذف أو إضافة على البرنامج... وما عليكم سوى المراهنة. المراهنة على شيء نبيل لا على أرقام وطابة وأوراق. إذاً، هذه «تعليماتنا»: بعلبك/ بيال/ 2006، أغنية بالفرنسية (هذه سهلة)، موسيقى من مسرحيتَين، موسيقى كلاسيكية اشتغل عليها الرحباني قديماً، مقدِّمة موسيقية من سلسلة مقدِّمات الصف الأول شهرةً وقيمةً، مرجع في الفانك/ الشرقي من توقيع زياد موسيقى و«كلمتَين»، أغنية لم تصدر أبداً لكنها عُرفَت بصيغة فيديو كليب، أغنية مهداة إلى «سلطان الجرد الممتاز»، موسيقى كتبها زياد لمرافقة اسكتشات/ مونولوغات، موسيقى من ألبوم جديد (لأنه لم يصدر بعد) قديم (بما أنه منجز منذ سنوات) ولم تقدَّم أبداً قبلاً... أخيراً من «إلى عاصي»: 17 et voisins (عبارة شهيرة خاصة بلعبة الروليت)، أي الرقم 17 من الألبوم وما يحدّها من الجانبيْن، لا لناحية الأرقام، إنما لناحية سرعة الإيقاع والحماسة (واحدة أحمى من الـ 17 وواحدة أنعم). هذا تقريباً نصف البرنامج، ما عدا الاسكتشات.
أخيراً، ثمة أرقام رابحة لا تحتاج إلى «تعليمة» ولا من يحزنون: أعمال زياد الرحباني بحد ذاتها، الارتجالات، التوزيعات الجديدة التي قد تطرأ... وكأسٌ في الطريق إلى «الكازينو»!

ARTISTAT: 21:30 مساء 5 و6 نيسان (أبريل) ـــ «كازينو لبنان» ــ للاستعلام: 01/999666