تسبّبت لوحة جدارية جديدة للمفكّر الماركسي الإيطالي، المنظر السياسي وشهيد سجون الفاشيست أنطونيو غرامشي (1891-1937) على جدار مبنى سكنيّ في مدينة فلورنسا في جدل واسع في أروقة السياسة الإيطاليّة التي تهيمن عليها أحزاب يمينيّة. وقال حزب «إيطاليا إلى الأمام» (FI) اليميني في بيان له: «غرامشي كان بلا شك مثقفاً مهماً وسياسياً شجاعاً مناهضاً للفاشية، ولكنّه في الوقت نفسه شيوعيّ ماركسيّ لينينيّ». وتساءل: «هل يمكن لمثل صاحب هذه الأفكار التوافق مع قيم الحرية والديمقراطية التي ينبغي أن توحّدنا؟». واتّهم حزب «الأخوة الإيطالي القومي اليميني» FDI أعضاء مجلس مدينة فلورنسا الذين ينتمي أغلبهم إلى أحزاب يسار الوسط «بملء فلورنسا بجداريات ضخمة تحمل رسائل ايديولوجية صارخة وأيقونات تذكر بأيقونات الأنظمة الشمولية».

الجدارية موضع الجدل هي من عمل لفنان الغرافيتي الشهير جوريت (Jorit) الذي كان قد رسم جدارية لنيلسون مانديلا على كتلة مبنى سكنيّ آخر في المدينة نفسها قبل عامين تحوّلت إلى معلم بارز. وتحمل الجدارية الجديدة مع صورة غرامشي اقتباساً شهيراً من «دفاتر السجن» يقول: «تكمن الأزمة على وجه التحديد في حقيقة أنّ (النظام) القديم يحتضر والجديد لا يمكن أن يولد بعد. وفي فترة خلوّ العرش بين النظامين، تظهر مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأعراض المتوحّشة السقيمة».
علماً أنّ غرامشي فيلسوف ماركسيّ وصحافيّ ولغويّ وقائد سياسيّ معروف على نطاق عالميّ. وقد كتب خلال حياته القصيرة في الفلسفة والنظرية السياسية وعلم الاجتماع والتاريخ واللغويات والثقافة الشعبيّة. وكان عضواً مؤسساً وأوّل زعيم للحزب الشيوعي الإيطالي، وانتُخب نائباً عنه إلى البرلمان، قبل أن يُسجن من قِبل نظام بينيتو موسوليني الفاشستي الذي قفز إلى السلطة في إيطاليا العشرينيّات. وقد تجاهلت السلطات الإيطاليّة وقتها مطالبات بإطلاق سراحه رغم ضغوط دوليّة، فيما رفض توقيع استرحام للدوتشي، ليقضي بعد 11 عاماً بسبب إهمال مصلحة السجون المتعمّد لعلاجه. وقد ترك مئات المقالات التي نشرها قبل اعتقاله وآلاف الرسائل الحزبيّة والشخصيّة وأكثر من 3000 صفحة من الفكر والتحليل كتبها في ظروف صعبة أثناء سجنه جُمعت بعد رحيله في ثلاثة مجلدات ضخمة سميّت «دفاتر السجن»، وتعدّ مساهمة أصلية للغاية في النظريات السياسية والثقافيّة والتاريخيّة في القرن العشرين، لعل أهمها نظريته في «الهيمنة» التي ما زالت مرجعاً لغاية اليوم في تحليل أساليب سيطرة الطبقات الحاكمة على المجتمعات.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا