تونس | تجمع فرقة «مالوف تونس» التي تقيم في باريس تونسيين مفتونين بالموسيقى التقليدية الأندلسية المعروفة في منطقة شمال أفريقيا بـ«المالوف». كان أول ظهور رسمي لها في «معهد العالم العربي» في باريس قبل أكثر من شهر، وستكون حاضرة في المهرجانات التونسية للمرة الأولى في الصيف المقبل. في «معهد العالم العربي»، قدمت الفرقة عرضاً تابعه جمهور كبير من التونسيين والعرب والفرنسيين الذين اكتشفوا الموسيقى التقليدية الأندلسية التي حملها العرب الذين فروا من إسبانيا قبل ثمانية قرون ولجأوا الى شمال افريقيا هرباً من التصفية العرقية.
هذا اللون الموسيقي الذي انتشر مع هجرة المسلمين القسرية الى تونس والجزائر والمغرب وليبيا، يمثل هوية الموسيقى التونسية. اعتنى به ملوك تونس قبل استقلال البلاد، وقد اهتم به الزعيم الحبيب بورقيبة، فأطلق مهرجاناً دولياً لموسيقى المالوف في تستور (شمال تونس) التي تعدّ من المدن الأندلسية. سريعاً، تحوّلت تستور الى قبلة لاكتشاف موسيقى الحنين الأندلسي. تحفل المدونة الموسيقية للمالوف بقصائد الحنين الى القصور، والأنهار، وجمال الصبايا في الأندلس. أما المقدّمات الموسيقية التي تسمى «نوبات»، فتشبه بساطاً من الحلم يحمل عبر جناحيه العشاق الى البلاد البعيدة التي طردوا منها. ميزة المالوف أنّه لا يكتب في «نوتة» موسيقية بل يحفظ حفظاً وتتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل. لذلك يُسمَّى حفظة موسيقى المالوف بـ«الشيوخ».
هذه الفرقة التي سماها مؤسّسوها «مالوف تونس» ولدت قبل ثلاث سنوات في ضاحية كريتاي (جنوب شرقي باريس) التي يوجد فيها عدد كبير من المهاجرين التونسيين والمغاربة.
تحفل بقصائد الحنين الى القصور، والأنهار، وجمال الصبايا
وكانت المبادرة من أحمد رضا عباس الذي جاء الى باريس في أواخر السبعينيات للدراسة لكنه فضل الاستقرار في عاصمة الأنوار وفق ما يقول لنا. هناك، أسس مع مجموعة من الطلبة اليساريين فرقة تابعة للاتحاد العام لطلبة تونس، الذي شكل طيلة سنوات العامود الفقري للمعارضة الطلابية لنظام الحبيب بورقيبة. بعد سنوات، ابتعد عن الموسيقى ليعود منذ ثلاث سنوات مع مجموعة من أصدقائه، كانوا يلتقون في بيته ليستحضروا بعض «نوبات» المالوف. تدريجاً، تطورت الفكرة وقرروا تأسيس جمعية أصبحت تقدم دروساً للأطفال والشبان من أجل المحافظة على التراث التونسي. واليوم، يعمل هؤلاء على بعث معهد للموسيقى التونسية.
الفرقة التي تضم ثلاثين عنصراً قدمت على مدى اكثر من ساعتين عرضاً ممتعاً زادته الملابس التونسية التقليدية بهاءً. ولعل التونسيين الذين صفقوا طويلاً للعرض، استعادوا وجه بلادهم الجميل الذي شوهته مظاهر «الأفغنة» التي غزت الشارع منذ ثلاث سنوات.
قدمت الفرقة نماذج من «نوبات» المالوف مثل «نوبة الذيل» وبعض الأغاني الشهيرة لنجمة الغناء صليحة ( ١٩١٤ــ ١٩٢٨). أغنيات كان التونسيون يرددونها في أفراحهم مثل «اودعوني» و«بالله يا مشموم الفل»، و«يا اللي بعدك حير فكري»، و«أليف يا سلطاني»، و«آه يا خليلة»، و«كيف دار كاس الحب بيني وبينك»، و«ما سبى عقلي» وغيرها من المدونة التقليدية التي تتناقلها الأجيال. ردّد الجمهور مع الفرقة بعض المقاطع التي تذكّر التونسيين ببلادهم التي تواجه اليوم مرحلة صعبة نتيجة تدفق المال والسلاح من بعض الجمعيات الوهابية في قطر والسعودية وليبيا والكويت لتدمير الروح التونسية العاشقة لموسيقى المالوف عشايا الصيف في ضاحية سيدي بوسعيد... تلك هي الصورة التي كانت متداولة عن تونس قبل «الربيع العربي».



تسميات عدة لأصل واحد

وفقاً لموقع «الأغنيات التونسية»، تختلف تسمية فن «المالوف» من منطقة إلى أخرى. يطلق عليه اسم «الآلة» في المغرب، و«الغرناطي» في وجدة وسلا وتلمسان ومناطق غرب الجزائر، و«الصنعة» في العاصمة الجزائرية، و«المألوف» في قسنطينة وتونس وليبيا. هذه التسميات المختلفة تعود في الأصل إلى الموسيقى التي نشأت في الأندلس، وارتبطت أحياناً بالمدائح الصوفية. لكن هذا اللون الغنائي والموسيقي، الذي يمتلك نصوصه الأدبية الخاصة وأوزانه الإيقاعية ومقاماته، لم يصل إلى مصر أو إلى بلاد الشام، بل بقي في بلدان المغرب العربي.